مُتَفَضِّلٌ عَلَيْهِمْ بِإِيثَارِهِمْ عَلَى نَفْسِهِ، وَمَنْ يَتَفَضَّلُ عَلَى أَقْرَانِهِ بِذَلِكَ يَكُونُ هُوَ الْأَفْضَلَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
مَطْلَبٌ:
يَبْتَدِئُ رَبُّ الطَّعَامِ بِالْأَكْلِ مَا لَمْ يَكُنْ أَفْضَلُ مِنْهُ.
قَالَ فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى، وَيَبْدَأُ بِهِمْ الْأَكْبَرُ، وَالْأَعْلَمُ لِمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ حُذَيْفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «كُنَّا إذَا حَضَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَعَامًا لَمْ نَضَعْ أَيْدِيَنَا حَتَّى يَبْدَأَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَضَعَ يَدَهُ» وَتَقَدَّمَ. (وَلَكِنَّ رَبَّ) أَيْ صَاحِبَ (الْبَيْتِ) الْمُقَدِّمَ لِإِخْوَانِهِ الطَّعَامَ (إنْ شَاءَ يَبْتَدِئُ) بِالْأَكْلِ؛ لِأَنَّهُ طَعَامُهُ فَلَا يُحْرَجُ عَلَيْهِ فِيهِ، وَلَعَلَّ الْأَوْلَى لَهُ عَدَمُ الِابْتِدَاءِ إذَا كَانَ ثَمَّ مَنْ هُوَ أَفْضَلُ مِنْهُ حَتَّى يَبْتَدِئَ الْأَفْضَلُ اقْتِدَاءً بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ، فَإِنَّ عُمُومَهُ يَشْمَلُ مَا إذَا كَانَ الطَّعَامُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمِنْ غَيْرِهِ. وَعَلَى الْحَالَتَيْنِ الْمُبْتَدِئُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهَذَا ظَاهِرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَمِنْ ذَلِكَ قِصَّةُ سَيِّدِنَا إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَأَتَمُّ التَّسَلُّمِ لَمَّا قَدَّمَ لِلْمَلَائِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ الْعِجْلَ الْحَنِيذَ يَعْنِي الْمَشْوِيَّ عَلَى الْحَنْذِ، وَهُوَ الرَّضْفُ السَّمِينُ، فَإِنَّهُ قَدْ رُوِيَ أَنَّهُ مَدَّ يَدَهُ وَأَكَلَ وَلَمْ تَأْكُلْ الْمَلَائِكَةُ الْكِرَامُ فَقَالَتْ لَهُ زَوْجَتُهُ: يَا إبْرَاهَامُ مَا بَالُ أَضْيَافِك لَا يَأْكُلُونَ؟ فَقَالَ لَهُمْ: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَلَا تَأْكُلُونَ؛ بِصِيغَةِ الْعَرْضِ وَالتَّلَطُّفِ، فَلَمَّا امْتَنَعُوا مِنْ أَكْلِ الطَّعَامِ خَافَ مِنْهُمْ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَلَمْ يُظْهِرْ لَهُمْ ذَلِكَ فَعَلِمَتْ الْمَلَائِكَةُ مَا أَوْجَسَهُ مِنْ الْخَوْفِ فِي نَفْسِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. فَأَظْهَرَتْ لَهُ ذَلِكَ وَبَشَّرُوهُ بِالْغُلَامِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
مَطْلَبٌ: لَا بَأْسَ مِنْ الشِّبَعِ الْغَيْرِ الْمُفْرِطِ
وَلَا بَأْسَ عِنْدَ الْأَكْلِ مِنْ شِبَعِ الْفَتَى ... وَمَكْرُوهٌ الْإِسْرَافُ وَالثُّلْثَ أَكِّدْ
(وَلَا بَأْسَ) أَيْ لَا حَرَجَ وَلَا إثْمَ وَلَا كَرَاهَةَ (عِنْدَ الْأَكْلِ) ، وَكَذَا الشُّرْبُ لِنَحْوِ اللَّبَنِ (مِنْ شِبَعِ الْفَتَى) تَقَدَّمَ مَعْنَى الْفَتَى، وَالْمُرَادُ مِنْ شِبَعِ الْآكِلِ كَبِيرًا كَانَ، أَوْ صَغِيرًا ذَكَرًا، أَوْ أُنْثَى.
قَالَ فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى: لَوْ أَكَلْت كَثِيرًا لَمْ يَكُنْ بِهِ بَأْسٌ قَالَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute