للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَمِنْ كَلَامِهِمْ: لَا زَوَالَ لِلنِّعْمَةِ إذَا شُكِرَتْ، وَلَا بَقَاءَ لَهَا إذَا كُفِرَتْ.

حَصِّنْ نِعْمَتَك مِنْ الزَّوَالِ، بِحُسْنِ الشُّكْرِ وَالنَّوَالِ.

وَقَالَ الْإِمَامُ الْحَافِظُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي تَبْصِرَتِهِ: عِبَادَ اللَّهِ قَدْ تَوَفَّرَتْ النِّعَمُ عَلَيْكُمْ فَاشْكُرُوا، وَقَدْ أُعْطِيتُمْ مَا لَمْ تَسْأَلُوا فَاذْكُرُوا.

وَاعْرِفُوا الْمُنْعِمَ وَاعْلَمُوا أَنَّ النِّعَمَ مِنْهُ، وَتَعَبَّدُوا بِشُكْرِهِ، وَقُصُّوا أَجْنِحَةَ النِّعَمِ بِمِقْرَاضِ الشُّكْرِ.

فَقَلَّ أَنْ تَنْفِرَ فَتَعُودَ.

وَاحْذَرُوا لِبَاسَ الْبَطَرِ فِي النِّعَمِ، وَاطْلُبُوا بِالشُّكْرِ الْمَزِيدَ.

وَهَذَا بَابٌ وَاسِعٌ، وَفِيمَا ذَكَرْنَا كِفَايَةٌ.

مَطْلَبٌ: مَثَالِبُ الْحَسَدِ

وَأَمَّا مَثَالِبُ الْحَسَدِ فَهِيَ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُذْكَرَ.

وَأَشْهُرُ مِنْ أَنْ تُسْطَرَ.

وَلَكِنْ مَا لَا يُسْتَطَاعُ ذِكْرُ كُلِّهِ لَا يُتْرَكُ بَعْضُهُ.

فَاعْلَمْ - رَحِمَك اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ أَوَّلَ مَعْصِيَةٍ وَقَعَتْ مِنْ الْخَلْقِ الْحَسَدُ لَمَّا حَسَدَ إبْلِيسُ آدَمَ، ثُمَّ حَسَدَ قَابِيلُ هَابِيلَ.

وَالْحَسَدُ لَا يَكُونُ إلَّا عَلَى نِعْمَةٍ.

وَمَتَى أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَى عَبْدٍ نِعْمَةً فَأَحَبَّ أَحَدٌ أَنْ يَكُونَ لَهُ مِثْلُهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ تَزُولَ عَنْ الْمَحْسُودِ، فَذَلِكَ الْحَسَدُ يُسَمَّى غِبْطَةً وَلَا لَوْمَ فِيهِ وَلَا ذَمَّ.

وَإِنْ أَحَبَّ زَوَالَهَا عَنْ الْمَحْسُودِ فَهَذَا الْحَسَدُ الْمَذْمُومُ، وَصَاحِبُهُ الْمَلُومُ الظَّلُومُ.

ثُمَّ إنَّ هَذَا الْحَاسِدَ تَارَةً يُحِبُّ زَوَالَهَا عَنْ الْمَحْسُودِ وَمَجِيئَهَا إلَيْهِ، وَهَذَا قَبِيحٌ.

لِأَنَّهُ إيثَارٌ فِي ضِمْنِهِ اعْتِرَاضٌ.

وَأَقْبَحُ مِنْهُ طَلَبُ زَوَالِهَا عَنْ الْمَحْسُودِ، وَحُصُولِهَا إلَى غَيْرِهِ.

وَأَقْبَحُ مِنْهُمَا طَلَبُ زَوَالِهَا مُطْلَقًا، فَهَذَا عَدُوُّ نِعَمِ اللَّهِ - تَعَالَى.

وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «لَا تَبَاغَضُوا وَلَا تَقَاطَعُوا وَلَا تَحَاسَدُوا وَلَا تَدَابَرُوا وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إخْوَانًا» .

وَفِي صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ «لَا يَجْتَمِعُ فِي جَوْفِ عَبْدٍ الْإِيمَانُ وَالْحَسَدُ» وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَرْفُوعًا.

وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَيْضًا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إيَّاكُمْ وَالْحَسَدَ فَإِنَّ الْحَسَدَ يَأْكُلُ الْحَسَنَاتِ كَمَا تَأْكُلُ النَّارُ الْحَطَبَ أَوْ قَالَ الْعُشْبَ» .

<<  <  ج: ص:  >  >>