مُرْسَلًا «لَلَّهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ التَّائِبِ مِنْ الظَّمْآنِ الْوَارِدِ، وَمِنْ الْعَقِيمِ الْوَالِدِ، وَمِنْ الضَّالِّ الْوَاجِدِ. فَمَنْ تَابَ إلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا أَنْسَى اللَّهُ حَافِظَيْهِ وَجَوَارِحَهُ وَبِقَاعَ الْأَرْضِ كُلَّهَا خَطَايَاهُ وَذُنُوبَهُ» .
وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ مَرْفُوعًا «مَنْ أَحْسَنَ فِيمَا بَقِيَ غُفِرَ لَهُ مَا مَضَى، وَمَنْ أَسَاءَ فِيمَا بَقِيَ أُخِذَ بِمَا مَضَى وَمَا بَقِيَ» .
وَأَخْرَجَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ مَرْفُوعًا «إذَا عَمِلْت سَيِّئَةً فَأَتْبِعْهَا حَسَنَةً تَمْحُهَا. قَالَ قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمِنْ الْحَسَنَاتِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ؟ قَالَ هِيَ أَفْضَلُ الْحَسَنَاتِ» . وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ عَنْ مُعَاذٍ مَرْفُوعًا «اتَّقِ اللَّهَ حَيْثُ مَا كُنْت، وَأَتْبِعْ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقْ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ» وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
مَطْلَبٌ: فِي تَعْرِيفِ بَعْضِهِمْ التَّوْبَةَ بِتَرْكِ اخْتِيَارِ ذَنْبٍ سَبَقَ مِثْلُهُ مِنْهُ مَنْزِلَةً لَا صُورَةً.
(السَّادِسُ) : عَرَّفَ بَعْضُهُمْ التَّوْبَةَ بِتَرْكِ اخْتِيَارِ ذَنْبٍ سَبَقَ مِثْلُهُ مِنْهُ مَنْزِلَةً لَا صُورَةً تَعْظِيمًا لِلَّهِ تَعَالَى وَحَذَرًا مِنْ سَخَطِهِ، فَشَمِلَ هَذَا التَّعْرِيفُ أَرْبَعَ أُمُورٍ:
الْأَوَّلُ: تَرْكُ الِاخْتِيَارِ لِلْمُذْنِبِ بِأَنْ يُوَطِّنَ قَلْبَهُ وَيُجَرِّدَ عَزْمَهُ عَلَى عَدَمِ الْعَوْدِ إلَى الذَّنْبِ أَلْبَتَّةَ. فَأَمَّا إنْ تَرَكَ الذَّنْبَ وَفِي نَفْسِهِ الْعَوْدُ إلَيْهِ أَوْ يَتَرَدَّدُ فِي الْعَوْدِ فَهَذَا لَيْسَ بِتَائِبٍ وَإِنَّمَا هُوَ مُمْتَنِعٌ.
الثَّانِي: أَنْ يَتُوبَ عَنْ ذَنْبٍ قَدْ سَبَقَ مِنْهُ مِثْلُهُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَبَقَ لَهُ ذَنْبٌ فَهُوَ مُتَّقٍ غَيْرُ تَائِبٍ.
(الثَّالِثُ) : إنَّ الَّذِي سَبَقَ يَكُونُ مِثْلَ مَا يَتْرُكُ اخْتِيَارَهُ فِي الْمَنْزِلَةِ وَالدَّرَجَةِ لَا فِي الصُّورَةِ. أَلَا تَرَى أَنَّ الشَّيْخَ الْفَانِي الْهَرِمَ الَّذِي قَدْ كَانَ سَبَقَ مِنْهُ الزِّنَا وَقَطْعٌ لِلطَّرِيقِ إذَا أَرَادَ أَنْ يَتُوبَ عَنْ ذَلِكَ تُمْكِنُهُ التَّوْبَةُ وَتُقْبَلُ مِنْهُ تَوْبَتُهُ لَا مَحَالَةَ لِأَنَّهُ لَمْ يُغْلَقْ عَنْهُ بَابُهَا، مَعَ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ تَرْكُ اخْتِيَارِ الزِّنَا وَقَطْعِ الطَّرِيقِ لِعَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَى فِعْلِ ذَلِكَ، فَلَا يَصِحُّ وَصْفُهُ بِأَنَّهُ تَارِكٌ لَهُ مُمْتَنِعٌ عَنْهُ وَهُوَ عَاجِزٌ عَنْهُ غَيْرُ مُتَمَكِّنٍ مِنْ فِعْلِهِ لَكِنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى مَا هُوَ مِثْلُ الزِّنَا وَقَطْعِ الطَّرِيقِ فِي الْمَنْزِلَةِ وَالدَّرَجَةِ كَالْقَذْفِ وَالْغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ إذْ جَمِيعُ ذَلِكَ مَعَاصٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute