وَقَدْ ذَكَرَ الْعُلَمَاءُ مَوَاضِعَ اُسْتُجِيبَ الدُّعَاءُ فِيهَا عَنْ تَجْرِبَةٍ. كَالْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ، وَبَيْنَ الْجَلَالَتَيْنِ مِنْ سُورَةِ الْأَنْعَامِ، وَفِي الطَّوَافِ. وَعِنْدَ الْمُلْتَزَمِ وَفِيهِ حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ وَرُوِيَ مُسَلْسَلًا. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: لَا يَقُومُ عَبْدٌ ثُمَّ يَعْنِي فِي الْمُلْتَزَمِ فَيَدْعُو اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ بِشَيْءٍ إلَّا اسْتَجَابَ لَهُ، وَفِي دَاخِلِ الْبَيْتِ، وَعِنْدَ زَمْزَمَ، وَعَلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَفِي الْمَسْعَى، وَخَلْفَ الْمَقَامِ، وَفِي عَرَفَاتٍ، وَالْمُزْدَلِفَةِ، وَمِنًى وَعِنْدَ الْجَمَرَاتِ الثَّلَاثِ. وَفِي أَمَاكِنَ أُخْرَى جَرَّبَهَا النَّاسُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
مَطْلَبٌ: فِي آدَابِ الدُّعَاءِ
(الثَّالِثَةُ) : فِي آدَابِ الدُّعَاءِ.
ذَكَرَ الْإِمَامُ الْحَافِظُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي تَبْصِرَتِهِ لِلدُّعَاءِ تِسْعَةَ عَشَرَ أَدَبًا:
أَحَدُهَا: أَنْ يَتَرَصَّدَ بِهِ الْأَوْقَاتَ الشَّرِيفَةَ.
الثَّانِي: أَنْ يَدْعُوَ فِي الْأَحْوَالِ الشَّرِيفَةِ.
الثَّالِثُ: أَنْ يَدْعُوَ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ.
الرَّابِعُ: خَفْضُ الصَّوْتِ فِي الدُّعَاءِ.
الْخَامِسُ: الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
السَّادِسُ: أَنْ يُسَبِّحَ قَبْلَ الدُّعَاءِ عَشْرًا.
السَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ لَفْظُ الدُّعَاءِ غَيْرَ مُتَكَلَّفٍ بَلْ عَنْ حُرْقَةٍ وَاجْتِهَادٍ.
فَإِنَّ الْمَشْغُولَ بِتَسْجِيعِ الْأَلْفَاظِ وَتَرْتِيبِهَا بَعِيدٌ مِنْ الْخُشُوعِ. نَعَمْ إنْ اتَّفَقَ لَهُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ تَكَلُّفٍ كَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «أَعُوذُ بِك مِنْ قَلْبٍ لَا يَخْشَعُ. وَمِنْ عَيْنٍ لَا تَدْمَعُ» وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لِبَعْضِ أَصْحَابِهِ: إيَّاكَ وَالسَّجْعَ فِي الدُّعَاءِ فَإِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ.
الثَّامِنُ: أَنْ يَكُونَ الدُّعَاءُ صَحِيحَ اللَّفْظِ لِتَضَمُّنِهِ مُوَاجَهَةَ الْحَقِّ بِالْخِطَابِ وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ دُعَاءً مَلْحُونًا» .
التَّاسِعُ: الْعَزْمُ فِي الدُّعَاءِ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا: «إذَا دَعَا أَحَدُكُمْ فَلِيَعْزِمْ، وَلَا يَقُلْ: اللَّهُمَّ إنْ شِئْت فَأَعْطِنِي. فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَا مُسْتَكْرِهَ لَهُ»