وَقَالَ الْإِمَامُ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي رَوْضَةِ الْمُحِبِّينَ: الْعَبْدُ إذَا رُزِقَ حَظًّا مِنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ فَإِنَّهَا تُنَوِّرُ الْوَجْهَ وَتُحَسِّنُهُ. قَالَ: وَقَدْ كَانَ بَعْضُ النِّسَاءِ تُكْثِرُ صَلَاةَ اللَّيْلِ، فَقِيلَ لَهَا فِي ذَلِكَ، فَقَالَتْ إنَّهَا تُحَسِّنُ الْوَجْهَ وَأَنَا أُحِبُّ أَنْ يُحَسَّنَ وَجْهِي. انْتَهَى.
قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ رَجَبٍ فِي شَرْحِ حَدِيثِ اخْتِصَامِ الْمَلَأِ الْأَعْلَى: سُئِلَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ لِمَ كَانَ الْمُتَهَجِّدُونَ أَحْسَنُ النَّاسِ وُجُوهًا؟ قَالَ: لِأَنَّهُمْ خَلَوْا بِالرَّحْمَنِ فَأَلْبَسَهُمْ نُورًا مِنْ نُورِهِ.
فَإِنْ قُلْت: لِمَ لَمْ تَذْكُرْ حَدِيثَ «مَنْ كَثُرَتْ صَلَاتُهُ بِاللَّيْلِ حَسُنَ وَجْهَهُ بِالنَّهَارِ» فِي الِاسْتِدْلَالِ لِذَلِكَ؟ قُلْت: لِأَنَّهُ مَوْضُوعٌ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ. قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْحَدِيثِ: اتَّفَقَ أَئِمَّةُ الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّهُ مِنْ قَوْلِ شَرِيكٍ لِثَابِتٍ لَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ وَإِنْ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ. وَالْعَجَبُ مِنْ الْجَلَالِ السُّيُوطِيِّ مَعَ إطْلَاعِهِ عَلَى وَضْعِهِ كَيْفَ أَوْدَعَهُ فِي كِتَابِهِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ. وَقِصَّةُ الْحَدِيثِ مَشْهُورَةٌ فَلَا نُطِيلُ الْكَلَامَ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[مَطْلَبٌ: حِكَايَةٌ لَطِيفَةٌ]
" خَاتِمَةٌ قِيلَ لِابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: مَا نَسْتَطِيعُ قِيَامَ اللَّيْلِ، قَالَ: أَبْعَدَتْكُمْ ذُنُوبُكُمْ.
وَقِيلَ لِلْحَسَنِ: أَعْجَزَنَا قِيَامُ اللَّيْلِ، قَالَ: قَيَّدَتْكُمْ خَطَايَاكُمْ. وَقَالَ: إنَّ الْعَبْدَ لَيُذْنِبُ الذَّنْبَ فَيُحْرَمُ بِهِ قِيَامَ اللَّيْلِ.
وَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: أَذْنَبْت ذَنْبًا فَحُرِمْت بِهِ قِيَامَ اللَّيْلِ سِتَّةَ أَشْهُرٍ.
وَقَالَ الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ: إذَا لَمْ تَقْدِرْ عَلَى قِيَامِ اللَّيْلِ وَصِيَامِ النَّهَارِ فَاعْلَمْ أَنَّك مَحْرُومٌ مُكَبَّلٌ كَبَّلَتْك خَطِيئَتُك.
قَالَ فِي اللَّطَائِفِ: مَا يُؤَهِّلُ الْمُلُوكُ لِلْخَلْوَةِ بِهِمْ إلَّا مَنْ أَخْلَصَ فِي وُدِّهِمْ وَمُعَامَلَتِهِمْ، فَأَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْمُخَالَفَةِ فَلَا يُؤَهِّلُونَهُ وَلَا يَرْضَوْنَهُ لِذَلِكَ، وَلِذَا قِيلَ: (شِعْرٌ)
اللَّيْلُ لِي وَلِأَحْبَابِي أُحَادِثُهُمْ ... قَدْ اصْطَفَيْتهمْ كَيْ يَسْمَعُوا وَيَعُوا
لَهُمْ قُلُوبٌ بِأَسْرَارِي لَهَا مُلِئَتْ ... عَلَى وِدَادِي وَإِرْشَادِي لَهُمْ طُبِعُوا