ثُمَّ دَعَا بِكُرْسِيٍّ فَجَلَسَ عَلَيْهِ فَحَمِدَ اللَّهَ تَعَالَى وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: إنِّي أُحَرِّجُ عَلَيْكُنَّ إلَّا خَرَجْتُنَّ مِنْ دَارِي فَإِنِّي أَكْرَهُ أَنْ تُقْتَلْنَ فِي دَارِي قَالَ: فَخَرَجْنَ فَمَا رُئِيَ مِنْهُنَّ بَعْدَ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَاحِدَةٌ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ: رَأَيْت أَبِي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَعَلَ ذَلِكَ حَرَّجَ عَلَى النَّمْلِ وَأَكْبَرُ عِلْمِي أَنَّهُ جَلَسَ عَلَى كُرْسِيٍّ كَانَ يَجْلِسُ عَلَيْهِ لِوُضُوءِ الصَّلَاةِ، ثُمَّ رَأَيْت النَّمْلَ قَدْ خَرَجْنَ بَعْدَ ذَلِكَ نَمْلٌ كِبَارٌ سُودٌ فَلَمْ أَرَهُنَّ بَعْدَ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
مَطْلَبٌ: فِي جَوَازِ تَشْمِيسِ دُودِ الْقَزِّ، وَأَنَّهُ مِنْ أَعْجَبِ الْمَخْلُوقَاتِ وَبَيَانِ تَرْبِيَتِهِ وَاسْتِخْرَاجِ الْحَرِيرِ مِنْهُ:
وَقَدْ جَوَّزَ الْأَصْحَابُ تَشْمِيسَ قَزِّهِمْ ... وَتَدْخِينَ زُنْبُورٍ وَشَيًّا بِمَوْقِدِ
(وَقَدْ جَوَّزَ الْأَصْحَابُ) مِنْ أَئِمَّةِ الْمَذْهَبِ الْمُعْتَدِّ بِأَقْوَالِهِمْ، وَالْمُعَوَّلِ عَلَى نَقْلِهِمْ وَاسْتِدْلَالِهِمْ (تَشْمِيسَ قَزِّهِمْ) أَيْ الْإِبْرَيْسَمِ: قَالَ عَلِيُّ بْنُ سَعِيدٍ: سَأَلْتُ الْإِمَامَ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ تَشْمِيسِ الْقَزِّ يَمُوتُ الدُّودُ فِيهِ قَالَ وَلَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ؟ قُلْت يَجِفُّ الْقَزُّ، وَإِنْ تَرَكَهُ كَانَ فِي ذَلِكَ ضَرَرٌ كَثِيرٌ قَالَ: إذَا لَمْ يَجِدُوا مِنْهُ بُدًّا وَلَمْ يُرِيدُوا بِذَلِكَ أَنْ يُعَذِّبُوا بِالشَّمْسِ فَلَيْسَ بِهِ بَأْسٌ، وَإِنَّمَا أَسْنَدَ النَّاظِمُ جَوَازَ ذَلِكَ لِلْأَصْحَابِ مَعَ أَنَّهُ مَنْصُوصُ الْإِمَامِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِضِيقِ النَّظْمِ وَلِأَنَّ مَا أُسْنِدَ إلَيْهِمْ يَكُونُ مُسْنَدًا إلَيْهِ، فَإِنَّهُمْ إنَّمَا يَسْتَمِدُّونَ مِنْ أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ صَرِيحًا أَوْ تَلْوِيحًا، أَوْ قِيَاسًا عَلَى كَلَامِهِ كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ.
وَاعْلَمْ أَنَّ دُودَةَ الْقَزِّ يُقَالُ لَهَا الدُّودَةُ الْهِنْدِيَّةُ، وَهِيَ مِنْ أَعْجَبِ الْمَخْلُوقَاتِ وَذَلِكَ أَنَّهُ يَكُونُ أَوَّلًا بَزْرًا فِي قَدْرِ حَبِّ التِّينِ، ثُمَّ يَخْرُجُ مِنْهُ عِنْدَ اسْتِقْبَالِ فَصْلِ الرَّبِيعِ وَيَكُونُ عِنْدَ الْخُرُوجِ أَصْغَرَ مِنْ الذُّرَةِ فِي لَوْنِهِ وَيَخْرُجُ فِي الْأَمَاكِنِ الدَّفِئَةِ مِنْ غَيْرِ حَضْنٍ إذَا كَانَ مَصْرُورًا فِي حُقٍّ، وَرُبَّمَا تَأَخَّرَ خُرُوجُهُ فَتَجْعَلُهُ النِّسَاءُ تَحْتَ ثَدْيِهِنَّ وَإِبِطِهِنَّ وَغِذَاؤُهُ وَرَقُ التُّوتِ الْأَبْيَضِ وَلَا يَزَالُ يَكْبُرُ وَيَعْظُمُ إلَى أَنْ يَصِيرَ فِي قَدْرِ الْإِصْبَعِ وَيَنْتَقِلُ مِنْ السَّوَادِ إلَى الْبَيَاضِ أَوَّلًا فَأَوَّلًا، وَكُلُّ ذَلِكَ فِي مُدَّةِ سِتِّينَ يَوْمًا فِي الْأَكْثَرِ، ثُمَّ يَأْخُذُ فِي النَّسْجِ عَلَى نَفْسِهِ بِمَا يُخْرِجُهُ مِنْ فِيهِ إلَى أَنْ يَنْفَدَ مَا فِي جَوْفِهِ مِنْهُ وَيَكْمُلَ عَلَيْهِ مَا يَبْنِيه فَيَكُونُ كَهَيْئَةِ الْجَوْزَةِ فَيَبْقَى فِيهِ مَحْبُوسًا قَرِيبًا مِنْ عَشَرَةِ أَيَّامٍ، ثُمَّ يَنْقُبُ عَلَى نَفْسِهِ تِلْكَ الْجَوْزَةَ وَيَخْرُجُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute