وَلَمْ يُشِرْ لِلْخِلَافِ. وَيُكْرَهُ إدْمَانُ أَكْلِ اللَّحْمِ وَتَقْلِيلُ الطَّعَامِ بِحَيْثُ يَضُرُّهُ.
وَقَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَتَنَاوَلَ فَوْقَ حَاجَتِهِ؛ لِأَنَّهُ قُوتُهُ وَقُوتُ غَيْرِهِ. قِيلَ لِسَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ: إنَّ ابْنَك بَاتَ بَشِمًا فَقَالَ: لَوْ مَاتَ لَمْ أُصَلِّ عَلَيْهِ. قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامُ بْنُ تَيْمِيَّةَ: يَعْنِي أَعَانَ عَلَى قَتْلِ نَفْسِهِ فَيَكُونُ كَقَاتِلِ نَفْسِهِ انْتَهَى.
مَطْلَبٌ: فِي بَيَانِ الْآفَاتِ النَّاشِئَةِ عَنْ الشِّبَعِ
قَالَ عُلَمَاؤُنَا: وَلَيْسَ مِنْ السُّنَّةِ تَرْكُ أَكْلِ الطَّيِّبَاتِ. وَلَا بَأْسَ بِالْجَمْعِ بَيْنَ طَعَامَيْنِ وَمِنْ السَّرَفِ أَنْ تَأْكُلَ كُلَّمَا اشْتَهَيْت.
قَالَ الْإِمَامُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي تَبْصِرَته: الشِّبَعُ يُوجِبُ تَرَهُّلَ الْبَدَنِ وَتَكَاسُلَهُ وَكَثْرَةَ النَّوْمِ وَبَلَادَةَ الذِّهْنِ، وَذَلِكَ بِتَكْثِيرِ الْبُخَارِ فِي الرَّأْسِ حَتَّى يُغَطِّيَ مَوْضِعَ الْفِكْرِ وَالذِّكْرِ.، وَالْبِطْنَةُ تُذْهِبُ الْفَطِنَةَ وَتَجْلُبُ أَمْرَاضًا عَسِرَةً وَمَقَامُ الْعَدْلِ أَنْ لَا يَأْكُلَ حَتَّى تُصَدَّ الشَّهْوَةُ وَأَنْ يَرْفَعَ يَدَهُ، وَهُوَ يَشْتَهِي الطَّعَامَ. وَنِهَايَةُ الْمَقَامِ الْحَسَنِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «ثُلُثٌ طَعَامٌ وَثُلُثٌ شَرَابٌ وَثُلُثٌ نَفَسٌ» .
وَالْأَكْلُ عَلَى مَقَامِ الْعَدْلِ يُصِحُّ الْبَدَنَ وَيُبْعِدُ الْمَرَضَ وَيُقَلِّلُ النَّوْمَ وَيُخَفِّفُ الْمُؤْنَةَ وَيُرَقِّقُ الْقَلْبَ وَيُصَفِّيهِ فَتَحْسُنُ فِكْرَتُهُ وَتَسْهُلُ الْحَرَكَاتُ وَالتَّعَبُّدَاتُ وَيَحْصُلُ الْإِيثَارُ، ثُمَّ نُقِلَ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ أَدْهَمَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: مَنْ ضَبَطَ بَطْنَهُ ضَبَطَ دِينَهُ وَمَنْ مَلَكَ جُوعَهُ مَلَكَ الْأَخْلَاقَ الصَّالِحَةَ، وَإِنَّ مَعْصِيَةَ اللَّهِ بَعِيدَةٌ مِنْ الْجَائِعِ قَرِيبَةٌ مِنْ الشَّبْعَانِ، وَالشِّبَعُ يُمِيتُ الْقَلْبَ، وَمِنْهُ يَكُونُ الْفَرَحُ، وَالْمَرَحُ وَالضَّحِكُ.
ثُمَّ أَنْشَدَ الْإِمَامُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَرَضِيَ عَنْهُ:
تَجَوَّعْ فَإِنَّ الْجُوعَ يُورِثُ أَهْلَهُ ... مَصَادِرَ بِرٍّ خَيْرُهَا الدَّهْرَ دَائِمُ
وَلَا تَكُ ذَا بَطْنٍ وَعَيْبٍ وَشَهْوَةٍ ... فَتُصْبِحَ فِي الدُّنْيَا وَقَلْبُك هَائِمُ
قَالَ الْإِمَامُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: وَقَدْ كَانَ السَّلَفُ يَكْرَهُونَ كَثْرَةَ الْأَلْوَانِ؛ لِأَنَّهَا تَدْعُو إلَى كَثْرَةِ الْأَكْلِ وَمَا زَالُوا يَذُمُّونَ الشِّبَعَ، ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ أَبِي جُحَيْفَةَ وَتَجَشِّيهِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَا قِيلَ لِسَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ: إنَّ ابْنَك لَمْ يَنَمْ اللَّيْلَةَ قَالَ: أَبَشِمًا؟ قِيلَ بَشِمًا، قَالَ: لَوْ مَاتَ لَمْ أُصَلِّ عَلَيْهِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ. قَالَ: وَعُيِّرَ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ فَقِيلَ لَهُ: إنَّ أَبَاك مَاتَ بَشِمًا وَمَاتَتْ أُمُّك بَغِرًا فَالْبَشَمُ فِي الطَّعَامِ، وَالْبَغَرُ فِي الْمَاءِ.
قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيّ: وَقَدْ تَقَلَّلَ