وَرَوَى أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ «أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِتَمْرٍ عَتِيقٍ، فَجَعَلَ يُفَتِّشُهُ يُخْرِجُ السُّوسَ مِنْهُ» .
وَفِي هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ بَحْثَانِ:
(الْأَوَّلُ) : فِي إلْقَائِهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - النَّوَى بِأُصْبُعَيْهِ. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ: الْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ نَهْيُهُ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَجْعَلَ الْآكِلُ النَّوَى عَلَى الطَّبَقِ، وَعَلَّلَهُ الْحَكِيمُ التِّرْمِذِيُّ بِأَنَّهُ قَدْ يُخَالِطُهُ الرِّيقُ وَرُطُوبَةُ الْفَمِ: فَإِذَا خَالَطَ مَا فِي الطَّبَقِ عَافَتْهُ الْأَنْفُسُ. انْتَهَى.
قَالَ فِي الْآدَابِ: قَالَ الْإِمَامُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي آدَابِ الْأَكْلِ: لَا يَجْمَعُ بَيْنَ النَّوَى وَالتَّمْرِ فِي طَبَقٍ، وَلَا يَجْمَعُهُ فِي كَفِّهِ، بَلْ يَضَعُهُ مِنْ فِيهِ عَلَى ظَهْرِ كَفِّهِ، ثُمَّ يُلْقِيهِ، وَكَذَا كُلُّ مَا لَهُ عَجَمٌ وَثُفْلٌ. وَهَذَا مَعْنَى كَلَامِ الْآمِدِيِّ. قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: الْعَجَمُ بِالتَّحْرِيكِ النَّوَى وَكُلُّ مَا كَانَ فِي جَوْفِ مَأْكُولٍ كَالزَّبِيبِ، الْوَاحِدَةُ عَجَمَةٌ مِثْلُ قَصَبَةٍ وَقَصَبٍ. قَالَ يَعْقُوبُ: الْعَامَّةُ تَقُولُ عَجْمٌ بِالتَّسْكِينِ. وَالثُّفْلُ بِضَمِّ الثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ وَسُكُونِ الْفَاءِ مَا ثَقُلَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ.
قَالَ الْيُونِينِيُّ فِي مُخْتَصَرِ الْآدَابِ: وَهَذَا الْأَدَبُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - بِسَبَبِ مُبَاشَرَةِ الرُّطُوبَةِ الْمُنْفَصِلَةِ، وَالْعُرْفُ، وَالْعَادَةُ خِلَافُ ذَلِكَ، لَكِنَّ الْحُكْمَ لِلشَّرْعِ لَا لِلْعُرْفِ الْحَادِثِ، وَقَدْ قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ حَمَّادٍ: رَأَيْتُ الْإِمَامَ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَأْكُلُ وَيَأْخُذُ النَّوَى عَلَى ظَهْرِ إصْبَعَيْهِ السَّبَّابَةِ، وَالْوُسْطَى وَرَأَيْته يَكْرَهُ أَنْ يَجْعَلَ النَّوَى مَعَ التَّمْرِ فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ. ذَكَرَهُ الْخَلَّالُ فِي جَامِعِهِ وَصَاحِبُهُ أَبُو بَكْرٍ.
مَطْلَبٌ: لَا بَأْسَ بِتَفْتِيشِ التَّمْرِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ إنْ ظَهَرَ أَوْ ظَنَّ أَنَّ فِيهِ دُودًا
(الثَّانِي) : فِي تَفْتِيشِهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - التَّمْرَ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - النَّهْيُ عَنْ شَقِّ التَّمْرَةِ عَمَّا فِي جَوْفِهَا. فَإِنْ صَحَّ فَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ إذَا كَانَ التَّمْرُ جَدِيدًا. وَاَلَّذِي رَوَيْنَاهُ فِي الْعَتِيقِ: قَالَهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَقَالَ الْآمِدِيُّ: لَا بَأْسَ بِتَفْتِيشِ التَّمْرِ وَتَنْقِيَتِهِ. قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: وَكَلَامُهُ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى مَا فِيهِ شَيْءٌ، وَهُوَ الْعَتِيقُ. قَالَ الْيُونِينِيُّ: مَعَ أَنَّهُ صَادِقٌ عَلَى مَا تَعَلَّقَ بِهِ مِمَّا لَا يُؤْكَلُ مَعَهُ شَرْعًا وَعُرْفًا. وَمِثْلُهُ مَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ فَاكِهَةٍ وَغَيْرِهَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute