قُلْت: وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا وَأَمْثَالَهُ مِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ. وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَكَارِمُ الْأَخْلَاقِ مِنْ أَعْمَالِ الْجَنَّةِ» رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ: زُرْتُ الْإِمَامَ أَحْمَدَ، فَلَمَّا دَخَلْتُ قَامَ فَاعْتَنَقَنِي وَأَجْلَسَنِي فِي صَدْرِ مَجْلِسِهِ، فَقُلْت: أَلَيْسَ يُقَالُ: صَاحِبُ الْبَيْتِ أَوْ الْمَجْلِسِ أَحَقُّ بِصَدْرِ بَيْتِهِ أَوْ مَجْلِسِهِ؟ قَالَ: نَعَمْ يَقْعُدُ وَيُقْعِدُ مَنْ يُرِيدُ. قَالَ: قُلْت فِي نَفْسِي خُذْ يَا أَبَا عُبَيْدٍ فَائِدَةً، ثُمَّ قُلْت: لَوْ كُنْت آتِيك عَلَى قَدْرِ مَا تَسْتَحِقُّ لَأَتَيْتُك كُلَّ يَوْمٍ، قَالَ: لَا تَقُلْ ذَلِكَ، فَإِنَّ لِي إخْوَانًا مَا أَلْقَاهُمْ كُلَّ سَنَةٍ إلَّا مَرَّةً أَنَا أَوْثَقُ فِي مَوَدَّتِهِمْ مِمَّنْ أَلْقَى كُلَّ يَوْمٍ قُلْت: هَذِهِ أُخْرَى يَا أَبَا عُبَيْدٍ، فَلَمَّا أَرَدْت الْقِيَامَ قَامَ مَعِي، قُلْت: لَا تَفْعَلْ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ. فَقَالَ: قَالَ الشَّعْبِيُّ: مِنْ تَمَامِ زِيَارَةِ الزَّائِرِ أَنْ تَمْشِيَ مَعَهُ إلَى بَابِ الدَّارِ وَتَأْخُذَ بِرِكَابِهِ. قَالَ: قُلْت: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ مَنْ عَنْ الشَّعْبِيِّ؟ قَالَ: ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ مُجَالِدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ. قُلْت: هَذِهِ ثَالِثَةٌ يَا أَبَا عُبَيْدٍ.
، وَقَدْ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: مَنْ أَخَذَ بِرِكَابِ رَجُلٍ لَا يَرْجُوهُ وَلَا يَخَافُهُ غُفِرَ لَهُ. وَمَسَكَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - رِكَابَ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فَقَالَ: أَتُمْسِكُ لِي وَأَنْتَ ابْنُ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ فَقَالَ: إنَّا هَكَذَا نَصْنَعُ بِالْعُلَمَاءِ. وَاَللَّهُ تَعَالَى يُوَفِّقُ مَنْ يَشَاءُ.
وَفُرُوعُ ذَلِكَ يَصْعُبُ اسْتِقْصَاؤُهَا. وَآدَابُهُ يَعْسُرُ إحْصَاؤُهَا، وَفِيمَا ذَكَرْنَا كِفَايَةٌ، لِمَنْ لَاحَظَتْهُ الْعِنَايَةُ. وَاَللَّهُ الْمَسْئُولُ التَّوْفِيقَ، وَالْهِدَايَةَ لِأَقْوَمِ طَرِيقٍ.
وَلَمَّا فَرَغَ النَّاظِمُ قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ مِنْ آدَابِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ، شَرَعَ فِي آدَابِ اللِّبَاسِ فَقَالَ:
مَطْلَبٌ: فِي كَرَاهِيَةِ لِبَاسِ مَا فِيهِ شُهْرَةٌ عِنْدَ النَّاسِ
وَيُكْرَهُ لُبْسٌ فِيهِ شُهْرَةُ لَابِسٍ وَوَاصِفُ جِلْدٍ لَا لِزَوْجٍ وَسَيِّدٍ (وَيُكْرَهُ) تَنْزِيهًا عَلَى الْأَصَحِّ، وَقِيلَ يَحْرُمُ (لُبْسُ) أَيْ لُبْسُ مَلْبُوسٍ (فِيهِ) أَيْ فِي ذَلِكَ الْمَلْبُوسِ (شُهْرَةُ لَابِسٍ) لَهُ بِمُخَالَفَةِ زِيِّ بَلَدِهِ وَنَحْوِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute