للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَغَيْرِهِمَا، وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَيَتَأَتَّى الْإِكْرَاهُ فِي حَقِّهَا فَلَا إثْمَ وَلَا حَدَّ عَلَيْهَا بِالِاتِّفَاقِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

ثُمَّ أَشَارَ النَّاظِمُ إلَى إيضَاحِ مَا أَفْهَمُهُ مِنْ الْقَاعِدَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا مُصَرِّحًا بِأَنَّ أَفْعَالَ الْمُكْرَهِ لَغْوٌ لَا يُؤَاخَذُ بِهَا فَقَالَ:

مَطْلَبٌ: فِي أَنَّ أَفْعَالَ وَأَقْوَالَ الْمُكْرَهِ لَغْوٌ إلَّا فِي الْقَتْلِ، وَالْإِسْلَامِ وَالزِّنَا:

وَلَغْوٌ مَعَ الْإِكْرَاهِ أَفْعَالُ مُكْرَهٍ ... سِوَى الْقَتْلِ وَالْإِسْلَامِ ثُمَّ الزِّنَا قَدْ

(وَلَغْوٌ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ: اللَّغْوُ وَاللَّغَا كَالْفَتَى السَّقَطُ، وَمَا لَا يُعْتَدُّ بِهِ مِنْ كَلَامٍ وَغَيْرِهِ كَاللَّغْوَى كَسَكْرَى (مَعَ الْإِكْرَاهِ) مِمَّنْ يَتَأَتَّى مِنْهُ (أَفْعَالُ مُكْرَهٍ) بِفَتْحِ الرَّاءِ، وَكَذَا أَقْوَالُهُ مِنْ بَابِ أَوْلَى، فَإِنَّ مِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ قَالَ: إنَّ التَّقِيَّةَ تَخْتَصُّ بِالْأَقْوَالِ دُونَ الْأَفْعَالِ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي الْعَالِيَةِ وَأَبِي الشَّعْثَاءِ وَالرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ وَالضَّحَّاكِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ -، فَإِذَا قَالَ: أَوْ فَعَلَ لِدَاعِي الْإِكْرَاهِ فَقَوْلُهُ وَفِعْلُهُ لَغْوٌ، وُجُودُ ذَلِكَ وَعَدَمُهُ مِنْهُ سَوَاءٌ.

فَلَوْ أُكْرِهَ عَلَى الْوُضُوءِ، أَوْ الْغُسْلِ فَفَعَلَ ذَلِكَ لِدَاعِي الْإِكْرَاهِ لَمْ يَصِحَّ مِنْهُ، وَكَذَا لَوْ أُكْرِهَ الصَّائِمُ عَلَى الْأَكْلِ أَوْ الشُّرْبِ فَأَكَلَ، أَوْ شَرِبَ لِدَاعِي الْإِكْرَاهِ لَمْ يُفْطِرْ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ.

وَمِثْلُ ذَلِكَ لَوْ أُكْرِهَ عَلَى الْبَيْعِ بِغَيْرِ حَقٍّ، أَوْ عَلَى الْإِقْرَارِ، أَوْ عَلَى الْكُفْرِ فَفَعَلَ لِدَاعِي الْإِكْرَاهِ مَعَ سَلَامَةِ قَلْبِهِ لَمْ يَضُرَّهُ ذَلِكَ، وَلَوْ أُكْرِهَ عَلَى السُّجُودِ لِصَنَمٍ، فَإِنْ كَانَ الصَّنَمُ تُجَاهَ الْقِبْلَةِ، أَوْ غَيْرِهَا فَلْيَسْجُدْ وَيَجْعَلْ نِيَّتَهُ لِلَّهِ تَعَالَى، وَالْمَذْهَبُ، وَلَوْ لَمْ يَنْوِ ذَلِكَ لَمْ يَكْفُرْ إذَا سَجَدَ لِدَاعِي الْإِكْرَاهِ وَلَكِنَّ النِّيَّةَ أَوْلَى خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ.

قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ رَجَبٍ: وَأَمَّا الْإِكْرَاهُ عَلَى الْأَقْوَالِ فَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى صِحَّتِهِ، وَأَنَّ مَنْ أُكْرِهَ عَلَى قَوْلٍ مُحَرَّمٍ إكْرَاهًا مُعْتَبَرًا أَنَّ لَهُ أَنْ يَفْتَدِيَ نَفْسَهُ بِهِ وَلَا إثْمَ عَلَيْهِ، وَقَدْ دَلَّ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى {إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ} [النحل: ١٠٦] ، وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَمَّارٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «إنْ عَادُوا فَعُدْ» وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ قَدْ عَذَّبُوهُ حَتَّى يُوَافِقَهُمْ عَلَى مَا يُرِيدُونَهُ مِنْ قَوْلِ الْكُفْرِ، فَفَعَلَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>