مَطْلَبٌ: فِي كَرَاهَةِ إحْرَاقِ الْحَيَوَانِ بِالنَّارِ عِنْدَ عَدَمِ الضَّرُورَةِ.
وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ مَعَ عَدَمِ الْأَذَى، وَأَمَّا إذَا حَصَلَ مِنْ النَّمْلِ أَذًى فَيُبَاحُ قَتْلُهُ نَصَّ عَلَيْهِ. وَقَالَ إبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ: إذَا آذَاك النَّمْلُ فَاقْتُلْهُ وَرَأَى أَبُو الْعَالِيَةِ نَمْلًا عَلَى بِسَاطٍ فَقَتَلَهُنَّ.
وَعَنْ طَاوُوسٍ إنَّا لَنُغْرِقُ النَّمْلَ بِالْمَاءِ يَعْنِي إذَا آذَتْنَا (وَاكْرَهَنْ) فِعْلُ أَمْرٍ مُؤَكَّدٌ بِنُونِ التَّوْكِيدِ الْخَفِيفَةِ أَيْ اكْرَهْ أَيُّهَا الْمُتَشَرِّعُ (بِالنَّارِ إحْرَاقَ مُفْسِدٍ) فَالْجَارُ، وَالْمَجْرُورُ مُتَعَلِّقٌ بِإِحْرَاقٍ أَيْ اكْرَهْ إحْرَاقَ مُفْسِدٍ بِالنَّارِ لِنَهْيِ النَّبِيِّ الْمُخْتَارِ عَنْ تَعْذِيبِ الْحَيَوَانِ بِالنَّارِ. فَيُكْرَهُ حَرْقُ كُلِّ ذِي رُوحٍ مِنْ الْمُؤْذِيَاتِ كَالنَّمْلِ، وَالْقَمْلِ، وَالْبَرَاغِيثِ، وَالْبَقِّ وَنَحْوِ ذَلِكَ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ النَّارَ لَا يُعَذِّبَ بِهَا إلَّا اللَّهُ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
وَفِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «رَأَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَرْيَةَ نَمْلٍ قَدْ حَرَقْنَاهَا فَقَالَ: مَنْ حَرَقَ هَذِهِ قُلْنَا: نَحْنُ قَالَ: إنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُعَذِّبَ بِالنَّارِ إلَّا رَبُّ النَّارِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، وَسُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ: هَلْ يَجُوزُ إحْرَاقُ بُيُوتِ النَّمْلِ؟ فَقَالَ: يُدْفَعُ ضَرَرُهُ بِغَيْرِ الْحَرِيقِ انْتَهَى. وَظَاهِرُ هَذِهِ الْأَخْبَارِ التَّحْرِيمُ، وَقَطَعَ بِهِ النَّوَوِيُّ مِنْ الشَّافِعِيَّة؛ وَلِذَا قَالَ النَّاظِمُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -:
وَلَوْ قِيلَ بِالتَّحْرِيمِ ثُمَّ أُجِيزَ مَعَ ... أَذًى لَمْ يَزُلْ إلَّا بِهِ لَمْ أُبَعِّدْ
(وَلَوْ قِيلَ بِالتَّحْرِيمِ) أَيْ تَحْرِيمِ إحْرَاقِ الْمُفْسِدِ بِالنَّارِ (ثُمَّ أُجِيزَ) أَيْ، ثُمَّ قِيلَ بِالْجَوَازِ (مَعَ) حُصُولِ (أَذًى) مِنْهُ وَ (لَمْ يَزُلْ) الْأَذَى الْحَاصِلُ مِنْ النَّمْلِ (إلَّا بِهِ) أَيْ بِالتَّحْرِيقِ (لَمْ أُبَعِّدْ) أَنَا ذَلِكَ، بَلْ أَرَاهُ قَرِيبًا لِلصَّوَابِ مُوَافِقًا لِلسُّنَّةِ، وَالْكِتَابِ هَذَا عَلَى رَأْيِهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ وَرَضِيَ عَنْهُ - وَالْحَاصِلُ أَنَّ عِنْدَ النَّاظِمِ عَلَى الْقَوْلِ بِالتَّحْرِيمِ تَزُولَ الْحُرْمَةُ إذَا لَمْ يَزُلْ الضَّرَرُ الْحَاصِلُ مِنْهُ دُونَ مَشَقَّةٍ غَالِبَةٍ إلَّا بِالنَّارِ.
قَالَ فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى: وَمَيْلُ صَاحِبِ النَّظْمِ إلَى تَحْرِيمِ إحْرَاقِ كُلِّ ذِي رُوحٍ بِالنَّارِ، وَأَنَّهُ يَجُوزُ إحْرَاقُ مَا يُؤْذِي بِلَا كَرَاهَةٍ إذَا لَمْ يَزُلْ ضَرَرُهُ دُونَ مَشَقَّةٍ غَالِبَةٍ إلَّا بِالنَّارِ، وَاسْتَدَلَّ بِقِصَّةِ النَّبِيِّ الَّذِي أَحْرَقَ قَرْيَةَ النَّمْلِ، فَهَذَا تَرَجَّحَ عِنْدَهُ وَكَأَنَّهُ اجْتِهَادٌ مِنْهُ، وَقَالَ: إنَّهُ سَأَلَ عَمَّا تَرَجَّحَ عِنْدَهُ الشَّيْخَ شَمْسَ الدِّينِ صَاحِبَ الشَّرْحِ فَقَالَ: مَا هُوَ بِبَعِيدٍ انْتَهَى. قَالَ الْحَجَّاوِيُّ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute