مَطْلَبٌ: فِي حِكْمَةِ تَحْرِيمِ لُبْسِ الْحَرِيرِ.
(الرَّابِعُ) : قَالَ فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى: لِبَاسُ الْحَرِيرِ أَنْفَعُ وَأَعْدَلُ اللِّبَاسِ فَلِمَ حَرَّمَهُ الشَّرْعُ؟ فَأَجَابَ قِيلَ لِتَصْبِرَ النَّفْسُ عَنْهُ فَتُثَابَ وَلَهَا عِوَضٌ عَنْهُ وَقِيلَ فِي إبَاحَتِهِ مَفْسَدَةُ تَشَبُّهِ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ. وَقِيلَ لِمَا يُورِثُ لُبْسُهُ مِنْ الْأُنُوثَةِ وَالتَّخَنُّثِ. وَقِيلَ لِمَا يُورِثُ لُبْسُهُ مِنْ الْفَخْرِ، وَالْعُجْبِ، وَمَنْ لَمْ يَرَ الْحِكَمَ وَالتَّعْلِيلَ لِلْأَحْكَامِ لَمْ يَحْتَجْ إلَى جَوَابٍ. وَاَللَّهُ وَلِيُّ الْأَسْبَابِ جَلَّ شَأْنُهُ وَتَعَالَى سُلْطَانُهُ.
مَطْلَبٌ: فِي حُكْمِ مَا يَصْنَعُهُ الْآنَ أَهْلُ الشَّامِ مِنْ الْكَرْمَسُوتِ وَالْأَطَالِسِ وَمَا شَاكَلَهَا
(الْخَامِسُ) : قَدْ عُلِمَ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ فِي الْمَذْهَبِ اعْتِبَارُ الظُّهُورِ، فَإِنْ كَانَ لِلْحَرِيرِ حَرُمَ وَإِلَّا أُبِيحَ، وَقَدْ اتَّفَقَ الْمُتَأَخِّرُونَ عَلَى إبَاحَةِ مَا سُدِّيَ بِالْحَرِيرِ وَأُلْحِمَ بِغَيْرِهِ، مَعَ تَقْدِيمِهِمْ أَوَّلًا فِي كُتُبِهِمْ أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِالظُّهُورِ. وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ مَا يَصْنَعُهُ أَهْلُ الشَّامِ الْآنَ مِنْ الْبُرُودِ الَّتِي يُسَمُّونَهَا الدَّابُولِيَّ والكرمسوني، وَالْأَطَالِسَ وَنَحْوَهَا يُسَدُّونَهَا بِالْحَرِيرِ وَيُلْحِمُونَهَا بِنَحْوِ الْقُطْنِ، وَالْكَتَّانِ، لَكِنْ يَكُونُ الظُّهُورُ لِلْحَرِيرِ دُونَ غَيْرِهِ، فَإِنْ أَخَذْنَا بِعُمُومِ اعْتِبَارِ الظُّهُورِ يَكُونُ مِثْلُ هَذَا مَحْظُورًا، وَإِنْ أَخَذْنَا بِعُمُومِ أَنَّ كُلَّ مَا سُدِّيَ بِالْحَرِيرِ وَأُلْحِمَ بِغَيْرِهِ يَكُونُ مُبَاحًا يَكُونُ مِثْلُ هَذَا مُبَاحًا.
وَلَمْ يَزُلْ الْإِشْكَالُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بَيْنَ فُقَهَاءِ الْمَذْهَبِ حَتَّى حَصَلَ بَيْنَ شَيْخِ مَشَايِخِنَا الْإِمَامِ الْأَوْحَدِ، وَالْقُطْبِ الْفَرْدِ الْأَمْجَدِ مَنْ طَنَّتْ حَصَاتُهُ فِي الْبِلَادِ، وَانْتَفَعَ بِحَالِهِ وَقَالِهِ جُلُّ الْعِبَادِ مِنْ هَذِهِ الْبِلَادِ، مَوْلَانَا الشَّيْخِ أَبِي الْمَوَاهِبِ مُحَمَّدِ بْنِ الشَّيْخِ عَبْدِ الْبَاقِي مُفْتِي السَّادَةِ الْحَنَابِلَةِ فِي الدِّيَارِ الشَّامِيَّةِ وَابْنِ مُفْتِيهَا، وَبَيْنَ أَفْضَلِ الْمُتَأَخِّرِينَ وَخَاتِمَةِ الْمُحَقِّقِينَ، الشَّيْخِ عُثْمَانَ النَّجْدِيِّ صَاحِبِ شَرْحِ عُمْدَةِ الشَّيْخِ مَنْصُورٍ وَحَاشِيَةِ الْمُنْتَهَى نِزَاعٌ. فَقَالَ مَوْلَانَا أَبُو الْمَوَاهِبِ بِالْإِبَاحَةِ، وَقَالَ الْعَلَّامَةُ الشَّيْخُ عُثْمَانُ بِالْحَظْرِ، فَحَصَلَ لِلْمُحَقِّقِ الشَّيْخِ عُثْمَانَ بِسَبَبِ ذَلِكَ زَعَلٌ وَضِيقُ صَدْرٍ، مَعَ مَا جَبَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ النَّجْدِيِّينَ مِنْ الْحِدَّةِ أَوْجَبَ خُرُوجَهُ مِنْ الشَّامِ إلَى مِصْرَ وَلَمْ يَزَلْ مُسْتَوْطِنَهَا حَتَّى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute