للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذِكْرُهَا، وَفِي الْعُرْفِ وَضْعٌ إلَهِيٌّ سَائِقٌ لِذَوِي الْعُقُولِ الْمَحْمُودَةِ بِاخْتِيَارِهَا إلَى مَا هُوَ خَيْرٌ لَهَا بِالذَّاتِ مِنْ أَمْرَيْ الْمَعَاشِ وَالْمَعَادِ، وَذَلِكَ الْوَضْعُ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ طَرِيقًا مُوَصِّلًا إلَى النَّجَاةِ يُسَمَّى شَرِيعَةً، وَهِيَ فِي اللُّغَةِ الطَّرِيقَةُ لِلْمَاءِ.

وَبِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ مُجْتَمَعًا عَلَيْهِ يُسَمَّى مِلَّةً، وَهِيَ فِي اللُّغَةِ الْجَمَاعَةُ، وَبِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ مُنْقَادًا إلَيْهِ يُسَمَّى دِينًا (لِيَصْغَ) اللَّامُ لِلْأَمْرِ، وَيَصْغَ فِعْلٌ مُضَارِعٌ مَجْزُومٌ بِحَذْفِ حَرْفِ الْعِلَّةِ، يُقَالُ أَصْغَى اسْتَمَعَ، وَإِلَيْهِ مَالَ بِسَمْعِهِ، وَأَصْغَى الْإِنَاءَ أَمَالَهُ، وَصَغَى يَصْغُو وَيُصْغِي صَغْوًا، وَصَغَى يُصْغِي صَغًا وَصَغْيًا مَالَ أَوْ مَالَ حَنَكُهُ (بِقَلْبٍ) مُتَعَلِّقٌ بِيَصْغَى، وَالْقَلْبُ الشَّكْلُ الصَّنَوْبَرِيُّ فِي الْجَوْفِ، وَالْمُرَادُ الْعَقْلُ وَاللُّبُّ، مِنْ إطْلَاقِ الْمَحَلِّ وَإِرَادَةِ الْحَالِّ.

وَقَدْ جَاءَ فِي الْقُرْآنِ {لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ} [ق: ٣٧] وَالْآيَاتُ وَالْأَحَادِيثُ مَمْلُوءَةٌ مِنْ ذَلِكَ (حَاضِرٍ) مُتَيَقِّظِ غَيْرِ غَائِبٍ، فَإِنَّ مَنْ أَلْقَى سَمْعَهُ وَغَابَ قَلْبُهُ لَمْ يَنْتَفِعْ بِمَا يُلْقَى إلَيْهِ مِنْ الْعُلُومِ وَالْمَعَارِفِ. وَمِنْ ثَمَّ قَالَ سَيِّدُنَا عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِكُمَيْلِ بْنِ زِيَادٍ النَّخَعِيِّ: " يَا كُمَيْلُ، الْقُلُوبُ أَوْعِيَةٌ فَخَيْرُهَا أَوْعَاهَا لِلْخَيْرِ انْتَهَى.

فَإِذَا كَانَ الْقَلْبُ حَاضِرًا وَعَى مَا يُلْقَى إلَيْهِ.

وَفِي حَدِيثِ «جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْمَثَلِ الَّذِي ضَرَبَتْهُ الْمَلَائِكَةُ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِأُمَّتِهِ. وَقَوْلِ الْمَلَكِ لَهُ اسْمَعْ سَمِعَتْ أُذُنُكَ وَوَعَى قَلْبُك» . وَإِنَّمَا سُمِّيَ الْعَقْلُ عَقْلًا لِعَقْلِهِ مَا يُلْقَى إلَيْهِ، وَمِنْهُ عَقَلَ الْبَعِيرَ وَالدَّابَّةَ، وَلِأَنَّهُ يَعْقِلُهُ عَنْ اتِّبَاعِ الْغَيِّ وَالْهَلَاكِ، وَلِذَا سُمِّيَ حِجْرًا أَيْضًا لِأَنَّهُ يَمْنَعُ صَاحِبَهُ كَمَا يَمْنَعُ الْحِجْرُ مَا حَوَاهُ.

فَعَقْلُ الشَّيْءِ أَخَصُّ مِنْ عِلْمِهِ وَمَعْرِفَتِهِ؛ لِأَنَّ صَاحِبَهُ يَعْقِلُ مَا عَلِمَهُ فَلَا يَدَعُهُ يَذْهَبُ. وَلِلْإِدْرَاكِ مَرَاتِبُ بَعْضُهَا أَقْوَى مِنْ بَعْضٍ، فَأَوَّلُهَا الشُّعُورُ فَالْفَهْمُ فَالْمَعْرِفَةُ فَالْعِلْمُ ثُمَّ الْعَقْلُ.

(مُتَرَصِّدِ) أَيْ مُتَرَقِّبٍ حَافِظٍ. قَالَ فِي الْقَامُوسِ: رَصَدَهُ رَصْدًا وَرَصَدًا رَقَبَهُ كَتَرَصَّدَهُ، فَإِذَا كَانَ الْقَلْبُ حَاضِرًا مُتَرَقِّبًا مَا يُلْقَى إلَيْهِ مُتَهَيِّئًا مُسْتَعِدًّا كَانَ أَقْرَبَ لِانْتِفَاعِهِ وَضَبْطِهِ لِمَا يُبْدِيهِ إلَيْهِ الشَّيْخُ، بِخِلَافِ شَارِدِ الْقَلْبِ ذَاهِلِ اللُّبِّ فَلَا عِنْدَهُ اسْتِعْدَادَ، لِأَنَّهُ فِي وَادٍ وَقَلْبُهُ فِي وَادٍ.

مَطْلَبٌ: مَرَاتِبُ التَّعَلُّمِ سِتَّةٌ، وَحِرْمَانُ الْعِلْمِ بِسِتَّةٍ

وَاعْلَمْ أَنَّ لِلتَّعَلُّمِ سِتَّ مَرَاتِبَ: أَوَّلُهَا حُسْنُ السُّؤَالِ: ثَانِيهَا حُسْنُ

<<  <  ج: ص:  >  >>