عَلَيْكُمْ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ يَعْنِي بَيْنَ الْمَغْرِبِ، وَالْعِشَاءِ قَالَ فَفَعَلُوا ذَلِكَ فَذَهَبَتْ عَنْهُمْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَمْ يَخْلُقْ اللَّهُ وِعَاءً إذَا مُلِئَ شَرًّا مِنْ بَطْنٍ، فَإِذَا كَانَ لَا بُدَّ فَاجْعَلُوا ثُلُثًا لِلطَّعَامِ وَثُلُثًا لِلشَّرَابِ وَثُلُثًا لِلرِّيحِ» . وَإِلَى هَذَا أَشَارَ النَّاظِمُ بِقَوْلِهِ: وَمَكْرُوهٌ الْإِسْرَافُ وَالثُّلْثَ أَكِّدْ.
مَطْلَبٌ: يَنْبَغِي لِلْآكِلِ أَنْ يَجْعَلَ ثُلُثًا لِلطَّعَامِ وَثُلُثًا لِلشَّرَابِ وَثُلُثًا لِلْهَوَاءِ
(وَالثُّلْثُ) أَيْ اقْصِدْ جَعْلَك بَطْنَك أَثْلَاثًا، وَهِيَ الْحَالَةُ الثَّالِثَةُ (أَكِّدْ) امْتِثَالًا لِمَا قَالَ الرَّسُولُ الشَّفِيقُ النَّاصِحُ لِجَمِيعِ الْخَلْقِ الْمُرْشِدُ لِلْمَنَافِعِ الدِّينِيَّةِ وَالدُّنْيَوِيَّةِ، وَالْمُنْقِذُ مِنْ الْهَلَاكِ، وَالْمَفَاسِدِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهُوَ الْحَكِيمُ النَّاصِحُ، وَالْعَلِيمُ الَّذِي أَتَى بِالْعِلْمِ النَّافِعِ، وَالْحَقِّ الْوَاضِحِ. وَلِهَذَا قَالَ الْحَافِظ ابْنُ رَجَبٍ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ: إنَّهُ أَصْلٌ عَظِيمٌ جَامِعٌ لِأُصُولِ الطِّبِّ كُلِّهَا.
وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ ابْنَ مَاسَوَيْهِ الطَّبِيبَ لَمَّا قَرَأَ هَذَا الْحَدِيثَ فِي كِتَابِ أَبِي خَيْثَمَةَ قَالَ: لَوْ اسْتَعْمَلَ النَّاسُ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ يَعْنِي مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «حَسْبَ ابْنَ آدَمَ أَكَلَاتٍ يُقِمْنَ صُلْبَهُ» إلَى آخِرِهِ لَسَلِمُوا مِنْ الْأَمْرَاضِ، وَالْأَسْقَامِ وَلَتَعَطَّلَتْ الْمَارَسْتَانَاتُ وَدَكَاكِينُ الصَّيَادِلَةِ.
قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ رَجَبٍ: وَإِنَّمَا قَالَ هَذَا؛ لِأَنَّ أَصْلَ كُلِّ دَاءٍ التَّخَمِ قَالَ بَعْضُهُمْ: أَصْلُ كُلِّ دَاءٍ الْبُرْدَةُ وَرُوِيَ مَرْفُوعًا وَلَا يَصِحُّ رَفْعُهُ.، وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي شَرْحِ الْأَسْمَاءِ: لَوْ سَمِعَ بُقْرَاطُ بِهَذِهِ الْقِسْمَةِ لَعَجِبَ مِنْ هَذِهِ الْحِكْمَةِ.
وَفِي الْإِحْيَاءِ ذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ يَعْنِي تَقْسِيمَ الْبَطْنِ أَثْلَاثًا لِبَعْضِ الْفَلَاسِفَةِ فَقَالَ: مَا سَمِعْت كَلَامًا فِي قِلَّةِ الْأَكْلِ أَحْكَمَ مِنْ هَذَا، وَلَا شَكَّ أَنَّ أَثَرَ الْحِكْمَةِ فِيهِ وَاضِحٌ، وَإِنَّمَا خَصَّ الثَّلَاثَةَ بِالذِّكْرِ؛ لِأَنَّهَا أَسْبَابُ حَيَاةِ الْحَيَوَانِ وَلِأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْبَطْنَ سِوَاهَا وَهَلْ الْمُرَادُ بِالثُّلُثِ التَّسَاوِي عَلَى ظَاهِرِ الْخَبَرِ أَوْ التَّقْسِيمِ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ مُتَقَارِبَةٍ.
قَالَ فِي الْفَتْحِ مَحَلُّ احْتِمَالٍ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، وَقَالَ (الْحَارِثُ بْنُ كِلْدَةَ) طَبِيبُ الْعَرَبِ: " الْحِمْيَةُ رَأْسُ الدَّوَاءِ، وَالْبِطْنَةُ رَأْسُ الدَّاءِ) وَرَفَعَهُ بَعْضُهُمْ وَلَا يَصِحُّ أَيْضًا قَالَ الْحَافِظُ، وَقَالَ الْحَارِثُ أَيْضًا: الَّذِي قَتَلَ الْبَرِّيَّةَ، وَأَهْلَك السِّبَاعَ فِي الْبَرِّيَّةِ، إدْخَالُ الطَّعَامِ عَلَى الطَّعَامِ، قَبْلَ الِانْهِضَامِ. .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute