للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمَا أَحْسَنُ قَوْلِ الْقَاضِي عِيَاضٍ فِي مِثْلِ هَذَا:

وَمِمَّا زَادَنِي عَجَبًا وَتِيهًا ... وَكِدْت بِأَخْمَصِي أَطَأُ الثُّرَيَّا

دُخُولِي تَحْتَ قَوْلِك يَا عِبَادِي ... وَأَنْ صَيَّرْت أَحْمَدَ لِي نَبِيًّا

(تَنْبِيهَانِ) : (الْأَوَّلُ) : رَأَيْت فِي بَعْضِ نُسَخِ الْقَصِيدَةِ مِنْ الْعُلَمَاءِ أَهْلِ التُّقَى وَالتَّسَدُّدِ بَدَلَ التَّعَبُّدِ، وَمَعْنَاهُ كَمَا مَرَّ سَابِقًا التَّقْوِيمُ وَالْإِصَابَةُ، يُقَالُ سَدَّدَهُ تَسْدِيدًا قَوَّمَهُ وَوَفَّقَهُ لِلسَّدَادِ أَيْ الصَّوَابِ مِنْ الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ، وَأَمَّا سِدَادُ الْقَارُورَةِ وَالثَّغْرِ فَبِالْكَسْرِ فَقَطْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

مَطْلَبٌ: فِي بَيَانِ الْمَمْدُوحِ مِنْ الْعُزْلَةِ وَالْمُخَالَطَةِ.

(الثَّانِي) : الْمَمْدُوحُ مِنْ الْعُزْلَةِ اعْتِزَالُ مَا يُؤْذِي، وَمِنْ الْخُلْطَةِ مَا يَنْفَعُ، فَلَا يَنْبَغِي أَنْ تَقْطَعَ الْعُزْلَةُ عَنْ الْعِلْمِ وَالْجَمَاعَاتِ وَمَجَالِسِ الذِّكْرِ وَالِاحْتِرَافِ لِلْعَائِلَةِ. وَقَدْ قَالَ شُعَيْبُ بْنُ حَرْبٍ: النَّاسُ ثَلَاثَةٌ: رَجُلٌ تُعَلِّمُهُ فَيَقْبَلُ مِنْك، وَرَجُلٌ تَتَعَلَّمُ مِنْهُ، وَاهْرَبْ مِنْ الثَّالِثِ.

وَكَانَ الثَّوْرِيُّ يَقُولُ: أَقْلِلْ مِنْ مَعْرِفَةِ النَّاسِ.

وَقَالَ ابْنُ أَدْهَمَ: لَا تَتَعَرَّفْ إلَى مَنْ لَا تَعْرِفْ، وَأَنْكِرْ مَنْ تَعْرِفُ.

وَأَنْشَدَ بَعْضُهُمْ فِي ذَلِكَ:

إنِّي نَظَرْت إلَى الزَّمَانِ ... وَأَهْلِهِ نَظَرًا كَفَانِي

فَعَرَفْته وَعَرَفْتهمْ ... وَعَرَفْت عِزِّي مِنْ هَوَانِي

فَحَمَلْت نَفْسِي بِالْقَنَاعَةِ ... عَنْهُمْ وَعَنْ الزَّمَانِ

وَتَرَكْتهَا بِعَفَافِهَا ... وَالزُّهْدُ فِي أَعْلَى مَكَانِي

فَلِذَاكَ أَجْتَنِبُ الصَّدِيقَ ... فَلَا أَرَاهُ وَلَا يَرَانِي

فَتَعَجَّبُوا لَمُغَالِبٍ ... وَهَبَ الْأَقَاصِي لِلْأَدَانِي

وَانْسَلَّ مِنْ بَيْنِ الزِّحَامِ ... فَمَا لَهُ فِي الْخَلْقِ ثَانِي

مَطْلَبٌ: النَّاسُ فِي الْعُزْلَةِ وَالِاخْتِلَاطِ عَلَى ضَرْبَيْنِ:

قَالَ الْإِمَامُ الْحَافِظُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: وَفَصْلُ الْخِطَابِ فِي الْعُزْلَةِ وَالِاخْتِلَاطِ أَنَّ النَّاسَ عَلَى ضَرْبَيْنِ: عَالِمٌ وَعَابِدٌ، فَالْعَالِمُ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنْقَطِعَ عَنْ نَفْعِ النَّاسِ، فَإِنَّهُ خَلْفُ الْأَنْبِيَاءِ، وَلْيُعْلَمْ أَنَّ هِدَايَةَ الْخَلْقِ أَفْضَلُ مِنْ كُلِّ عِبَادَةٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>