للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قُلْت: وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنْ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَا وَلَفْظُهُ «أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَرْسَلَ إلَى نَبِيِّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَلَكًا مِنْ الْمَلَائِكَةِ وَمَعَهُ جِبْرِيلُ، فَقَالَ الْمَلَكُ إنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يُخَيِّرُك بَيْنَ أَنْ تَكُونَ عَبْدًا نَبِيًّا وَبَيْنَ أَنْ تَكُونَ مَلِكًا، فَالْتَفَتَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى جِبْرِيلَ كَالْمُسْتَشِيرِ، فَأَشَارَ جِبْرِيلُ بِيَدِهِ أَنْ تَوَاضَعْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا بَلْ أَكُونُ عَبْدًا نَبِيًّا. فَمَا أَكَلَ بَعْدَ تِلْكَ الْكَلِمَةِ طَعَامًا مُتَّكِئًا» .

وَمِنْ مَرَاسِيلِ الزُّهْرِيِّ قَالَ «بَلَغَنَا أَنَّهُ أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَلَكٌ لَمْ يَأْتِهِ قَبْلَهَا وَمَعَهُ جِبْرِيلُ، فَقَالَ الْمَلَكُ وَجِبْرِيلُ صَامِتٌ إنَّ رَبَّك يُخَيِّرُك بَيْنَ أَنْ تَكُونَ نَبِيًّا مَلِكًا أَوْ نَبِيًّا عَبْدًا، فَنَظَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى جِبْرِيلَ كَالْمُسْتَأْمِرِ، فَأَشَارَ إلَيْهِ أَنْ تَوَاضَعْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَلْ نَبِيًّا عَبْدًا» قَالَ الزُّهْرِيُّ: فَزَعَمُوا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَأْكُلْ مُنْذُ قَالَهَا مُتَّكِئًا. وَتَقَدَّمَ بَعْضُ ذَلِكَ فِي آدَابِ الْأَكْلِ وَالْكَلَامِ عَلَيْهِ بِمَا فِيهِ غُنْيَةٌ.

وَمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وَقَوْلِهَا لَهُ «يَا نَبِيَّ اللَّهِ لَوْ أَكَلْت وَأَنْتَ مُتَّكِئٌ كَانَ أَهْوَنَ عَلَيْك، فَأَصْغَى بِجَبْهَتِهِ إلَى الْأَرْضِ حَتَّى كَادَ يَمَسُّ بِهَا الْأَرْضَ وَقَالَ بَلْ آكُلُ كَمَا يَأْكُلُ الْعَبْدُ وَأَنَا جَالِسٌ كَمَا يَجْلِسُ الْعَبْدُ فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدٌ» .

قَالَ بَعْضُ الْعَارِفِينَ: مَنْ ادَّعَى الْعُبُودِيَّةَ وَلَهُ مُرَادٌ بَاقٍ فَهُوَ كَاذِبٌ فِي دَعْوَاهُ، إنَّمَا تَصِحُّ الْعُبُودِيَّةُ لِمَنْ أَفْنَى مُرَادَاتِهِ وَقَامَ بِمُرَادِ سَيِّدِهِ يَكُونُ اسْمُهُ مَا يُسَمَّى بِهِ وَنَعْتُهُ مَا حُلِّيَ بِهِ، إذَا دُعِيَ بِاسْمِهِ أَجَابَ عَنْ الْعُبُودِيَّةِ، فَلَا اسْمَ لَهُ وَلَا رَسْمَ وَلَا يُجِيبُ إلَّا لِمَنْ يَدْعُوهُ بِعُبُودِيَّةِ سَيِّدِهِ، وَأَنْشَأَ يَقُولُ:

يَا عَمْرُو ثَارِي عِنْدَ زَهْرَاءَ ... يَعْرِفُهُ السَّامِعُ وَالرَّائِي

لَا تَدْعُنِي إلَّا بِيَا عَبْدَهَا ... فَإِنَّهُ أَصْدَقُ أَسْمَائِي

وَقَالَ آخَرُ:

مَالِي وَلِلْفَقْرِ إلَى عَاجِزٍ ... مِثْلِي لَا يَمْلِكُ إغْنَائِي

وَإِنَّمَا يَحْسُنُ فَقْرِي إلَى ... مَالِكٍ إسْعَادِي وَإِشْقَائِي

أَتِيهُ عَجَبًا بِانْتِمَائِي إلَى ... أَبْوَابِهِ إذْ قُلْت مَوْلَائِي

لَا تَدْعُنِي إلَّا بِيَا عَبْدَهُ ... فَإِنَّهُ أَشْرَفُ أَسْمَائِي

<<  <  ج: ص:  >  >>