بَيْنَ يَدَيْ عَالِمِ السِّرِّ وَالنَّجْوَى، وَكَاشِفِ الضُّرِّ وَالْبَلْوَى.
وَهَذِهِ مِنْ صِفَاتِ عُلَمَاءِ الْآخِرَةِ الَّذِينَ عُلُومُهُمْ زَاخِرَةٌ، وَنُفُوسُهُمْ طَاهِرَةٌ، وَمَقَامُ الْعُبُودِيَّةِ اخْتَارَهُ الْمُصْطَفَى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِنَفْسِهِ عَلَى مَقَامِ الْمُلْكِ وَهُوَ مَقَامٌ عَظِيمٌ، وَصَفَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ نَبِيَّهُ بِهِ فِي أَشْرَفِ مَقَامَاتِهِ كَمَقَامِ التَّنْزِيلِ فِي قَوْلِهِ {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ} [الكهف: ١] وَمَقَامِ الدَّعْوَةِ فِي قَوْلِهِ {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ} [الجن: ١٩] وَفِي مَقَامِ التَّحَدِّي فِي قَوْلِهِ {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ} [البقرة: ٢٣] . وَفِي مَقَامِ الْإِسْرَاءِ فِي قَوْلِهِ {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى} [الإسراء: ١] .
«وَقَامَ بَيْنَ يَدَيْهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجُلٌ يَوْمَ الْفَتْحِ فَارْتَعَدَ فَقَالَ لَهُ هَوِّنْ عَلَيْك إنِّي لَسْت بِمَلِكٍ إنَّمَا أَنَا ابْنُ امْرَأَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ كَانَتْ تَأْكُلُ الْقَدِيدَ» . وَصَحَّ عَنْهُ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «لَا تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتْ النَّصَارَى عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ، فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدٌ فَقُولُوا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ» .
وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ «جَلَسَ جِبْرِيلُ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَنَظَرَ إلَى السَّمَاءِ فَإِذَا مَلَكٌ مَهُولٌ، فَقَالَ جِبْرِيلُ إنَّ هَذَا الْمَلَكَ مَا نَزَلَ مُنْذُ يَوْمَ خُلِقَ قَبْلَ السَّاعَةِ، فَلَمَّا نَزَلَ قَالَ يَا مُحَمَّدُ أَرْسَلَنَا إلَيْك رَبُّك أَمَلِكًا نَبِيًّا يَجْعَلُك أَمْ عَبْدًا رَسُولًا؟ قَالَ جِبْرِيلُ: فَتَوَاضَعْ لِرَبِّك يَا مُحَمَّدُ، قَالَ بَلْ عَبْدًا رَسُولًا» .
وَمِنْ مَرَاسِيلِ يَحْيَى بْن أَبِي كَثِيرٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «آكُلُ كَمَا يَأْكُلُ الْعَبْدُ، وَأَجْلِسُ كَمَا يَجْلِسُ الْعَبْدُ، فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدٌ» خَرَّجَهُ ابْنُ سَعْدٍ فِي طَبَقَاتِهِ.
وَخَرَّجَ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ أَبِي مَعْشَرٍ عَنْ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ أَتَانِي مَلَكٌ فَقَالَ إنَّ رَبَّك يَقْرَأُ عَلَيْك السَّلَامَ وَيَقُولُ لَك: إنْ شِئْت نَبِيًّا مَلِكًا، وَإِنْ شِئْت نَبِيًّا عَبْدًا فَأَشَارَ إلَيَّ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ضَعْ نَفْسَك فَقُلْت نَبِيًّا عَبْدًا. قَالَتْ فَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَأْكُلُ مُتَّكِئًا وَيَقُولُ: آكُلُ كَمَا يَأْكُلُ الْعَبْدُ وَأَجْلِسُ كَمَا يَجْلِسُ الْعَبْدُ» .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute