للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَوْبَتُهُ أَمْ لَا؟

ظَاهِرُ كَلَامِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ وَغَيْرِهِ أَنَّ التَّوْبَةَ تُقْبَلُ، وَيَسْقُطُ بِهَا حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ الْإِقْدَامِ وَانْتِهَاكِ حُرْمَتِهِ تَعَالَى وَتَعَدِّيهِ حُدُودَهُ، وَيَبْقَى فِي ذِمَّةِ الْعَاصِي مَظْلِمَةُ الْآدَمِيِّ وَمُطَالَبَتُهُ عَلَى حَالِهَا؛ لِأَنَّهُ قَالَ نَحْنُ لَا نَمْنَعُ أَنْ يَكُونَ مُطَالِبًا بِمَظَالِمِ الْآدَمِيِّينَ وَلَكِنْ لَا يَمْنَعُ هَذَا صِحَّةَ التَّوْبَةِ، كَالتَّوْبَةِ مِنْ السَّرِقَةِ وَقَتْلِ النَّفْسِ وَغَصْبِ الْأَمْوَالِ، فَإِنَّهَا صَحِيحَةٌ مَقْبُولَةٌ وَالْأَمْوَالُ وَالْحُقُوقُ لِلْآدَمِيِّ لَا تَسْقُطُ.

وَأَمَّا لَا يَنْجَبِرُ بِمِثْلِهِ بَلْ جَزَاؤُهُ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ كَالْقَذْفِ وَالزِّنَا وَالْغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ، فَالتَّوْبَةُ عَنْ هَذَا النَّوْعِ بِالنَّدَمِ وَالْإِقْلَاعِ وَكَثْرَةِ الِاسْتِغْفَارِ لِلْمُغْتَابِ وَنَحْوِهِ وَإِكْذَابِ نَفْسِهِ مِمَّا قَذَفَهُ بِهِ، وَكَثْرَةِ الْإِحْسَانِ لِمَنْ أَفْسَدَ عَلَيْهِ زَوْجَتَهُ وَزَنَى بِهَا، وَلَا يَحْتَاجُ إلَى إعْلَامِهِ وَلَا اسْتِحْلَالِهِ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ كَمَا اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَشَيْخُ الْإِسْلَامِ وَتِلْمِيذُهُ ابْنُ الْقَيِّمِ وَجَمَاعَةٌ، وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ سَيِّدُنَا الشَّيْخُ عَبْدُ الْقَادِرِ قَدَّسَ اللَّهُ سِرَّهُ.

وَقِيلَ إنْ عَلِمَ بِهِ الْمَظْلُومُ اسْتَحَلَّهُ وَإِلَّا دَعَا لَهُ وَاسْتَغْفَرَ لَهُ وَلَمْ يُعْلِمْهُ. قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ. وَقَدْ رَوَى أَبُو مُحَمَّدٍ الْخَلَّالُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا «مَنْ اغْتَابَ رَجُلًا ثُمَّ اسْتَغْفَرَ لَهُ مِنْ بَعْدُ غُفِرَ لَهُ غِيبَتُهُ» . وَبِإِسْنَادِهِ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا «كَفَّارَةُ مَنْ اُغْتِيبَ أَنْ يُسْتَغْفَرَ لَهُ» لِأَنَّ فِي إعْلَامِهِ إدْخَالُ غَمٍّ عَلَيْهِ. قَالَ الْقَاضِي فَلَمْ يَجُزْ ذَلِكَ. وَكَذَلِكَ قَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْقَادِرِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إنَّ كَفَّارَةَ الِاغْتِيَابِ مَا رَوَى أَنَسٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَذَكَرَهُ. وَخَبَرُ أَنَسٍ الْمَذْكُورُ ذَكَرَهُ الْإِمَامُ الْحَافِظُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمَوْضُوعَاتِ، وَذَكَرَ مِثْلَهُ مِنْ حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ وَفِيهِ سَلْمَانُ بْنُ عَمْرٍو كَذَّابٌ، وَمِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ وَفِيهِ حَفْصُ بْنُ عُمَرَ الْأَيْلِيُّ مَتْرُوكٌ. وَذَكَرَ أَيْضًا حَدِيثَ أَنَسٍ فِي الْحَدَائِقِ مَعَ أَنَّهُ قَالَ: إنَّهُ لَا يَذْكُرُ فِيهَا إلَّا الْحَدِيثَ الصَّحِيحَ.

مَطْلَبٌ: هَلْ يَكْفِي فِي التَّوْبَةِ مِنْ الْغِيبَةِ الِاسْتِغْفَارُ لِلْمُغْتَابِ أَمْ لَا بُدَّ مِنْ إعْلَامِهِ؟

وَقَالَ الْإِمَامُ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي كِتَابِهِ الْكَلِمِ الطَّيِّبِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ: مَنْ اغْتَابَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ يُذْكَرُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ مِنْ كَفَّارَةِ الْغِيبَةِ أَنْ تَسْتَغْفِرَ لِمَنْ اغْتَبْته بِقَوْلِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنَا وَلَهُ. ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّعَوَاتِ

<<  <  ج: ص:  >  >>