الْمِسْكِينِ عِنْدَنَا عَلَى الصَّحِيحِ. وَقِيلَ عَكْسُهُ، اخْتَارَهُ ثَعْلَبٌ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَثَعْلَبٌ مِنْ أَصْحَابِنَا. وَهَذَا مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ، وَالْأَوَّلُ الْمَذْهَبُ الَّذِي لَا يُفْتَى إلَّا بِهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وِفَاقًا لِلشَّافِعِيِّ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْفَقِيرَ يُطْلَقُ عَلَى الْمِسْكِينِ، وَالْمِسْكِينُ يُطْلَقُ عَلَى الْفَقِيرِ، فَهُمَا كَالْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ إذَا اجْتَمَعَا افْتَرَقَا، وَإِذَا افْتَرَقَا اجْتَمَعَا، وَلَيْسَا سَوَاءً بِاتِّفَاقٍ.
وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ الْخِلَافِ فِي مَسَائِلَ، مِنْهَا إذَا أُوصِيَ لِلْفُقَرَاءِ بِكَذَا وَلِلْمَسَاكِينِ بِكَذَا، وَلَسْنَا بِصَدَدِ مَا ذَكَرَ الْفُقَهَاءُ - أَعْلَى اللَّهُ كَعْبَهُمْ - وَإِنَّمَا قَصَدْنَا التَّنْبِيهَ عَلَى بَعْضِ مَنَاقِبِ الْفَقْرِ، فَقَدْ وَرَدَ فِيهِ أَخْبَارٌ كَثِيرَةٌ، وَآثَارٌ غَزِيرَةٌ.
مَطْلَبٌ: فِي التَّنْبِيهِ عَلَى بَعْضِ مَنَاقِبِ الْفَقْرِ وَأَنَّ الْفُقَرَاءَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ قَبْلَ الْأَغْنِيَاءِ
فَرَوَى الْبَزَّارُ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ عَقَبَةً كَئُودًا لَا يَنْجُو مِنْهَا إلَّا كُلُّ مُخِفٍّ» وَفِي رِوَايَةٍ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ قَالَتْ أُمُّ الدَّرْدَاءِ قُلْت لِأَبِي الدَّرْدَاءِ: مَالَك لَا تَطْلُبُ كَمَا يَطْلُبُ فُلَانٌ وَفُلَانٌ؟ قَالَ: إنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «إنَّ وَرَاءَكُمْ عَقَبَةً كَئُودًا لَا يَجُوزُهَا الْمُثْقَلُونَ، فَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَتَخَفَّفَ لِتِلْكَ الْعَقَبَةِ» . الْكَئُودُ بِفَتْحِ الْكَافِّ بَعْدَهَا هَمْزَةٌ مَضْمُومَةٌ هِيَ الْعَقَبَةُ الصَّعْبَةُ الشَّاقَّةُ. وَفِي حَدِيثِ الدُّعَاءِ «وَلَا يَتَكَأَّدُكَ عَفْوٌ عَنْ مُذْنِبٍ» أَيْ لَا يَصْعُبُ عَلَيْك وَيَشُقُّ كَمَا فِي النِّهَايَةِ.
وَرَوَى الْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إنَّ اللَّهَ لَيَحْمِيَ عَبْدَهُ الْمُؤْمِنَ مِنْ الدُّنْيَا وَهُوَ يُحِبُّهُ كَمَا تَحْمُونَ مَرِيضَكُمْ الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ»
وَالطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَرْفُوعًا «إذَا أَحَبَّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَبْدًا حَمَاهُ الدُّنْيَا كَمَا يَظَلُّ أَحَدُكُمْ يَحْمِي سَقِيمَهُ» وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ مِنْ حَدِيثِ قَتَادَةَ.
وَرَوَى الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «اطَّلَعْت فِي الْجَنَّةِ فَرَأَيْت أَكْثَرَ أَهْلِهَا الْفُقَرَاءَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute