(وَلَا) بَأْسَ بِلُبْسِ الصُّوفِ، وَالْقَبَاءِ (لِلنِّسَاءِ) حَيْثُ لَا تَشْبِيهَ. وَتَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَأَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِمَا «أَنَّهُ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُصَلِّي فِي مُرُوطِ نِسَائِهِ وَكَانَتْ أَكْسِيَةً مِنْ صُوفٍ» .
وَفِي الْآدَابِ الْكُبْرَى قَالَ الْأَثْرَمُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: الدُّرَّاعَةُ يَكُونُ لَهَا فَرْجٌ؟ فَقَالَ كَانَ لِخَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ: دُرَّاعَةٌ لَهَا فَرْجٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهَا قَدْرُ ذِرَاعٍ. قِيلَ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: فَيَكُونُ لَهَا فَرْجٌ مِنْ خَلْفِهَا؟ فَقَالَ: مَا أَدْرِي أَمَّا مِنْ بَيْنِ يَدَيْهَا فَقَدْ سَمِعْت، وَأَمَّا مِنْ خَلْفِهَا فَلَمْ أَسْمَعْ قَالَ: أَلَا إنَّ فِي ذَلِكَ سَعَةً لَهُ عِنْدَ الرُّكُوبِ، وَمَنْفَعَةً انْتَهَى.
قُلْت: وَتَقَدَّمَ حَدِيثُ الْفُرُوجِ، وَأَنَّهُ الْقَبَاءُ الَّذِي شُقَّ مِنْ خَلْفِهِ. قَالَ فِي السِّيرَةِ الشَّامِيَّةِ: هُوَ أَصْلٌ فِي لُبْسِ الْخُلَفَاءِ لَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
مَطْلَبٌ: فِي حُكْمِ لُبْسِ الْبُرْنُسِ
(وَ) لَا بَأْسَ بِلُبْسِ (الْبُرْنُسِ) ، وَهُوَ بِالضَّمِّ قَلَنْسُوَةٌ طَوِيلَةٌ، أَوْ كُلُّ ثَوْبٍ رَأْسُهُ مِنْهُ، دُرَّاعَةً كَانَ أَوْ جُبَّةً قَالَهُ فِي الْقَامُوسِ: فَيُبَاحُ لُبْسُ الْبُرْنُسِ فِي غَيْرِ الْإِحْرَامِ؛ لِأَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ مَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ فَقَالَ لَا يَلْبَسُ الْقَمِيصَ وَلَا الْعِمَامَةَ وَلَا الْبُرْنُسَ وَلَا السَّرَاوِيلَ» الْحَدِيثُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، دَلَّ بِمَنْطُوقِهِ عَلَى حُرْمَةِ لُبْسِ الْبُرْنُسِ لِلْمُحْرِمِ وَبِمَفْهُومِهِ عَلَى إبَاحَتِهِ لِغَيْرِهِ.
(افْهَمْهُ) أَيْ احْفَظْهُ وَافْهَمْ مَعْنَاهُ، وَالْمُرَادَ مِنْهُ (وَاقْتَدِ) بِالْمُصْطَفَى وَأَصْحَابِهِ وَالتَّابِعِينَ فِي سَائِرِ شُؤُونِك، فَإِنَّهُمْ عَلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ، وَالطَّرِيقِ الْقَوِيمِ. {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ} [الأنعام: ٩٠] . وَإِيَّاكَ وَمَا ابْتَدَعَهُ النَّاسُ مِنْ التَّنَطُّعِ حَتَّى فِي اللِّبَاسِ، فَإِنَّ السَّلَامَةَ السَّرْمَدِيَّةَ، وَالْغَنِيمَةَ، وَالْفَوْزَ فِي اتِّبَاعِ الْعِصَابَةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ، وَالْفِرْقَةِ النَّاجِيَةِ السُّنِّيَّةِ السَّنِيَّةِ. وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَالسَّلَامَةُ بِلَا مُحَالٍ فِي حُسْنِ الِاتِّبَاعِ، وَتَرْكِ الِابْتِدَاعِ.
فَنَسْأَلُ اللَّهَ سُبْحَانَهُ أَنْ يَمُنَّ عَلَيْنَا بِاقْتِفَاءِ أَثَرِ الرَّسُولِ، وَالْقُرُونِ الْأُوَلِ، وَأَنْ يُسَدِّدَنَا فِي الِاعْتِقَادِ، وَالْقَوْلِ، وَالْعَمَلِ، إنَّهُ وَلِيُّ النِّعَمِ. وَمِنْهُ الْجُودُ وَالتَّكَرُّمُ. لَا رَبَّ لَنَا سِوَاهُ. وَلَا نَعْبُدُ إلَّا إيَّاهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute