الْمَطْلَعِ: الْقَبَاءُ مَمْدُودٌ. قَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ، وَقَالَ صَاحِبُ الْمَطَالِعِ: هُوَ مِنْ قَبَوْت إذَا صَمَّمْت، وَهُوَ ثَوْبٌ ضَيِّقٌ مِنْ ثِيَابِ الْعَجَمِ. وَفِي الْقَامُوسِ: الْقَبْوَةُ انْضِمَامُ مَا بَيْنَ الشَّفَتَيْنِ، وَمِنْهُ الْقَبَاءُ مِنْ الثِّيَابِ جَمْعُهُ أَقْبِيَةٌ، أَيْ لَيْسَ بِلُبْسِهِ بَأْسٌ وَلَا حَرَجٌ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَبِسَهُ.
فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ «أُهْدِيَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرُّوجُ حَرِيرٍ فَلَبِسَهُ، ثُمَّ صَلَّى فِيهِ، ثُمَّ انْصَرَفَ فَنَزَعَهُ نَزْعًا شَدِيدًا كَالْكَارِهِ لَهُ، ثُمَّ قَالَ: لَا يَنْبَغِي هَذَا لِلْمُتَّقِينَ» قَالَ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ: الْفَرُّوجُ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ وَضَمِّهَا وَبِالْجِيمِ هُوَ الْقَبَاءُ الَّذِي شُقَّ مِنْ خَلْفِهِ.
وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «لَبِسَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمًا قَبَاءَ دِيبَاجٍ أُهْدِيَ لَهُ، ثُمَّ أَوْشَكَ أَنْ نَزَعَهُ، فَأَرْسَلَ بِهِ إلَى عُمَرَ، فَقِيلَ: قَدْ أَوْشَكَ مَا نَزَعْته يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ: نَهَانِي عَنْهُ جِبْرِيلُ، فَجَاءَهُ عُمَرُ يَبْكِي فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَكَرِهْتَ أَمْرًا وَأَعْطَيْتَنِيهِ فَمَا لِي؟ فَقَالَ: إنِّي لَمْ أُعْطِكَهُ لِتَلْبَسَهُ إنَّمَا أَعْطَيْتُكَهُ لِتَبِيعَهُ، فَبَاعَهُ عُمَرُ بِأَلْفَيْ دِرْهَمٍ»
وَفِي سُنَنِ النَّسَائِيّ عَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ «قَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَقْبِيَةً وَلَمْ يُعْطِ مَخْرَمَةَ شَيْئًا، فَقَالَ مَخْرَمَةُ: يَا بُنَيَّ انْطَلِقْ بِنَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَانْطَلَقْت مَعَهُ فَقَالَ: اُدْخُلْ فَادْعُهُ لِي، فَدَعَوْتُهُ فَخَرَجَ إلَيْهِ. وَعَلَيْهِ قَبَاءٌ فَقَالَ: خَبَّأْتُ هَذَا لَك. قَالَ: فَنَظَرَ إلَيْهِ، فَقَالَ: رَضِيَ مَخْرَمَةُ» ، وَإِنَّمَا نَزَعَ الْقَبَاءَ فِي الْحَدِيثَيْنِ الْمَاضِيَيْنِ لِكَوْنِهِ حَرِيرًا، وَكَانَ لُبْسُهُ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُ قَبْلَ تَحْرِيمِ الْحَرِيرِ، فَلَمَّا حُرِّمَ نَزَعَهُ؛ وَلِذَا قَالَ فِي حَدِيثِ مُسْلِمٍ «نَهَانِي عَنْهُ جِبْرِيلُ» .
(فَائِدَةٌ) : سُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ عَنْ طَرْحِ الْقَبَاءِ عَلَى الْكَتِفَيْنِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُدْخِلَ يَدَيْهِ فِي كُمَّيْهِ، هَلْ هُوَ مَكْرُوهٌ أَمْ لَا؟ فَأَجَابَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِأَنَّهُ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ، وَقَدْ ذَكَرُوا جَوَازَ ذَلِكَ، قَالَ: وَلَيْسَ هَذَا مِنْ السَّدْلِ الْمَكْرُوهِ، لِأَنَّ هَذِهِ اللِّبْسَةَ لَيْسَتْ لِبْسَةَ الْيَهُودِ. انْتَهَى.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute