وَأَفْعَالِهِ، وَلَوْ اُعْتُدَّ بِأَقْوَالِهِ لَقُبِلَ إسْلَامُهُ مَعَ تَشَوُّفِ الشَّارِعِ إلَى قَبُولِهِ.
وَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ يَكُونَ الْإِنْسَانُ فِي حَالَةٍ يُؤَاخَذُ بِهَا بِالْكُفْرِ وَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ فِيهَا الْإِسْلَامُ مَعَ تَشَوُّفِ الشَّارِعِ إلَى الْإِسْلَامِ وَحِرْصِهِ عَلَيْهِ. وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِهَذَا غَيْرَ أَنَّهُ ظَاهِرٌ لَا غُبَارَ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَبُولُ التَّوْبَةِ تَفَضُّلٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى غَيْرُ وَاجِبٍ عَلَيْهِ جَلَّ وَعَلَا، وَتَحْبَطُ الْمَعَاصِي بِهَا، وَالْكُفْرُ بِالْإِسْلَامِ، وَالطَّاعَةُ بِالرِّدَّةِ الْمُتَّصِلَةِ بِالْمَوْتِ، وَلَا تَحْبَطُ طَاعَةٌ بِمَعْصِيَةٍ غَيْرِ الرِّدَّةِ الْمَذْكُورَةِ.
وَذَكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ وَغَيْرُهُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِقْنَاعِ وَغَيْرِهِ أَنَّ الْمَنَّ وَالْأَذَى يُبْطِلُ الصَّدَقَةَ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: لَا تَحْبَطُ طَاعَةٌ بِمَعْصِيَةٍ إلَّا مَا وَرَدَ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ، فَيَتَوَقَّفُ الْإِحْبَاطُ عَلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي وَرَدَ فِيهِ وَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ.
وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ: الْكَبِيرَةُ الْوَاحِدَةُ لَا تُحْبِطُ جَمِيعَ الْحَسَنَاتِ. وَلَكِنْ قَدْ تُحْبِطُ مَا يُقَابِلُهَا عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَاخْتَارَهُ أَيْضًا فِي مَكَان آخَرَ لِمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ النُّصُوصُ وَاحْتَجَّ بِإِبْطَالِ الصَّدَقَةِ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى.
وَقَالَ فِي مَكَان آخَرَ: كَفَّارَةُ الشِّرْكِ التَّوْحِيدُ، وَالْحَسَنَاتُ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ.
مَطْلَبٌ: هَلْ تُغْفَرُ خَطِيئَةُ مَنْ صَحَّتْ تَوْبَتُهُ فَقَطْ أَمْ تُغْفَرُ وَيُعْطَى بَدَلَهَا حَسَنَةً؟
(الرَّابِعُ) : مَنْ صَحَّتْ تَوْبَتُهُ فَهَلْ تُغْفَرُ خَطِيئَتُهُ فَقَطْ أَمْ تُغْفَرُ وَيُعْطَى بَدَلَهَا حَسَنَةً. ظَاهِرُ الْأَدِلَّةِ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ الْأَوْلَى وَهُوَ حُصُولُ الْمَغْفِرَةِ خَاصَّةً. وَهَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ. وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى {فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ} [الفرقان: ٧٠] فَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: اخْتَلَفُوا فِي هَذَا التَّبْدِيلِ وَفِي زَمَانِ كَوْنِهِ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يُبَدِّلُ اللَّهُ شِرْكَهُمْ إيمَانًا، وَقَتْلَهُمْ إمْسَاكًا، وَزِنَاهُمْ إحْصَانًا. قَالَ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَكُونُ فِي الدُّنْيَا.
وَمِمَّنْ ذَهَبَ إلَى هَذَا الْمَعْنَى سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَمُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ وَالضَّحَّاكُ وَابْنُ زَيْدٍ. وَالثَّانِي يَكُونُ فِي الْآخِرَةِ قَالَهُ سَلْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَعَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute