وَذَلِكَ تَنْبِيهٌ عَظِيمٌ عَلَى أَنَّ صِلَتَهَا بِمَكَانٍ مِنْهُ سُبْحَانَهُ وَمُقَرِّبٌ إلَيْهِ، وَقَطْعُهَا خَطَرٌ عَظِيمٌ عِنْدَهُ، وَمُبْعِدٌ عَنْهُ سُبْحَانَهُ.
قَالَ الْمَرُّوذِيُّ: أَدْخَلْت عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ رَجُلًا قَدِمَ مِنْ الثَّغْرِ، فَقَالَ لِي قَرَابَةٌ بِالْمَرَاغَةِ فَتَرَى لِي أَنْ أَرْجِعَ إلَى الثَّغْرِ أَوْ تَرَى أَنْ أَذْهَبَ فَأُسَلِّمَ عَلَى قَرَابَتِي وَإِنَّمَا جِئْت قَاصِدًا لِأَسْأَلَك، فَقَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ قَدْ رُوِيَ: «بُلُّوا أَرْحَامَكُمْ وَلَوْ بِالسَّلَامِ» اسْتَخِرْ اللَّهَ وَاذْهَبْ فَسَلِّمْ عَلَيْهِمْ.
وَقَدْ ذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُ فِي مَسْأَلَةِ الْعِتْقِ بِالْمِلْكِ قَدْ تَوَاعَدَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِقَطْعِ الْأَرْحَامِ بِاللَّعْنِ وَإِحْبَاطِ الْعَمَلِ.
مَطْلَبٌ: فِي بَيَانِ ذَوِي الرَّحِمِ الَّذِينَ يَجِبُ صِلَتُهُمْ
وَمَعْلُومٌ أَنَّ الشَّرْعَ لَمْ يُرِدْ صِلَةَ كُلِّ رَحِمٍ وَقَرَابَةٍ، إذْ لَوْ كَانَ ذَلِكَ لَوَجَبَ صِلَةُ جَمِيعِ بَنِي آدَمَ، فَلَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ ضَبْطِ ذَلِكَ بِقَرَابَةٍ تَجِبُ صِلَتُهَا وَإِكْرَامُهَا وَيَحْرُمُ قَطْعُهَا، وَتِلْكَ قَرَابَةُ الرَّحِمِ الْمُحَرَّمِ. وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا وَلَا عَلَى خَالَتِهَا وَلَا عَلَى بِنْتِ أَخِيهَا وَأُخْتِهَا فَإِنَّكُمْ إذَا فَعَلْتُمْ ذَلِكَ قَطَعْتُمْ أَرْحَامَكُمْ» قَالَ الْإِمَامُ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي آدَابِهِ الْكُبْرَى: وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ مِنْ أَنَّهُ لَا تَجِبُ إلَّا صِلَةُ الرَّحِمِ الْمُحَرَّمِ اخْتَارَهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ.
وَنَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: تَجِبُ صِلَةُ الرَّحِمِ مَحْرَمًا كَانَ أَوْ لَا. وَظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي الْخَطَّابِ لَا يَكْفِي فِي صِلَةِ الرَّحِمِ مُجَرَّدُ السَّلَامِ. وَكَلَامُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ ظَاهِرُهُ الِاكْتِفَاءُ. قَالَ مُثَنَّى: قُلْت لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ الرَّجُلُ يَكُونُ لَهُ الْقَرَابَةُ مِنْ النِّسَاءِ فَلَا يَقُومُونَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَأَيُّ شَيْءٍ يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ بِرِّهِمْ وَفِي كَمْ يَنْبَغِي أَنْ يَأْتِيَهُمْ؟ قَالَ اللُّطْفُ وَالسَّلَامُ.
وَفِي الْحَدِيثِ «بُلُّوا أَرْحَامَكُمْ وَلَوْ بِالسَّلَامِ» رَوَاهُ الْبَزَّارُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الطُّفَيْلِ وَالْبَيْهَقِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -.
وَقَالَ الْفَضْلُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: رَجُلٌ لَهُ إخْوَةٌ وَأَخَوَاتٌ بِأَرْضِ غَصْبٍ تَرَى أَنْ يَزُورَهُمْ؟ قَالَ نَعَمْ يَزُورُهُمْ وَيُرَاوِدُهُمْ عَلَى الْخُرُوجِ مِنْهَا، فَإِنْ أَجَابُوا إلَى ذَلِكَ وَإِلَّا لَمْ يُقِمْ مَعَهُمْ وَلَا يَدَعُ زِيَارَتَهُمْ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute