مَطْلَبٌ: فِي كَرَاهَةِ الْجُلُوسِ وَالْإِصْغَاءِ إلَى مَنْ يَتَحَدَّثُ سِرًّا بِغَيْرِ إذْنِهِ:
وَأَنْ يَجْلِسَ الْإِنْسَانُ عِنْدَ مُحَدِّثٍ ... بِسِرٍّ وَقِيلَ احْظَرْ وَإِنْ يَأْذَنْ اُقْعُدْ
(وَ) يُكْرَهُ (أَنْ يَجْلِسَ الْإِنْسَانُ) أَيْ جُلُوسُهُ، وَالْمُرَادُ بِهِ الْوَاحِدُ مِنْ الْإِنْسَانِ الَّذِي هُوَ نَوْعُ الْعَالَمِ، قَالَ الْجَوْهَرِيُّ تَقْدِيرُ الْإِنْسَانِ فِعْلَانِ وَإِنَّمَا زِيدَ فِي تَصْغِيرِهِ يَاءٌ كَمَا زِيدَ فِي تَصْغِيرِ رَجُلٍ وَاوٌ فَقِيلَ رُوَيْجِلٌ وَقَالَ قَوْمٌ أَصْلُهُ إنْسَيَانٌ فَحُذِفَتْ الْيَاءُ اسْتِخْفَافًا لِكَثْرَةِ مَا يَجْرِي عَلَى الْأَلْسِنَةِ فَإِذَا صَغَّرُوهُ رَدُّوهَا، وَاسْتَدَلُّوا عَلَيْهِ بِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - إنَّمَا سُمِّيَ الْإِنْسَانُ إنْسَانًا لِأَنَّهُ عُهِدَ إلَيْهِ فَنَسِيَ وَالْأُنَاسُ لُغَةٌ فِي النَّاسِ وَهُوَ الْأَصْلُ فَخُفِّفَ. قَالَ تَعَالَى {لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} [التين: ٤] وَهُوَ اعْتِدَالُهُ وَتَسْوِيَةُ أَعْضَائِهِ لِأَنَّهُ خَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ مُنْكَبًّا عَلَى وَجْهِهِ، وَخَلَقَهُ سَوِيًّا أَوْ لَهُ لِسَانٌ زَلِقٌ، وَأَصَابِعُ يَقْبِضُ بِهَا؛ مُزَيَّنًا بِالْعَقْلِ مُؤَدَّبًا بِالْأَمْرِ، مُهَذَّبًا بِالتَّمْيِيزِ، يَتَنَاوَلُ مَأْكُولَهُ وَمَشْرُوبَهُ بِيَدِهِ قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ: لَيْسَ لِلَّهِ خَلْقٌ أَحْسَنُ مِنْ خَلْقِ الْإِنْسَانِ، فَإِنَّ اللَّهَ خَلَقَهُ حَيًّا عَالِمًا قَادِرًا مُتَكَلِّمًا سَمِيعًا بَصِيرًا مُدَبِّرًا حَكِيمًا.
وَيُرْوَى أَنَّ مُوسَى بْنَ عِيسَى الْهَاشِمِيَّ كَانَ يُحِبُّ زَوْجَتَهُ حُبًّا شَدِيدًا؛ فَقَالَ لَهَا يَوْمًا أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إنْ لَمْ تَكُونِي أَحْسَنَ مِنْ الْقَمَرِ، فَاحْتَجَبَتْ عَنْهُ وَقَالَتْ طَلُقْتُ، وَبَاتَ بِلَيْلَةٍ عَظِيمَةٍ، فَلَمَّا أَصْبَحَ أَتَى الْمَنْصُورُ فَاسْتَحْضَرَ الْفُقَهَاءَ وَسَأَلَهُمْ فَأَجَابَ كُلُّهُمْ بِالطَّلَاقِ إلَّا وَاحِدًا فَقَالَ لَا تَطْلُقُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} [التين: ٤] فَقَالَ الْمَنْصُورُ: الْأَمْرُ كَمَا قَالَ ثُمَّ أَرْسَلَ إلَى زَوْجَتِهِ بِذَلِكَ. (عِنْدَ مُحَدِّثٍ) لِغَيْرِهِ (بِحَدِيثِ) (سِرٍّ) لَمْ يُدْخِلَاهُ أَوْ يُدْخِلُوهُ إنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ اثْنَيْنِ فِي حَدِيثِهِمَا أَوْ حَدِيثِهِمْ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَأَنْ لَا يَدْخُلَ أَحَدٌ فِي سِرِّ قَوْمٍ لَمْ يُدْخِلُوهُ فِيهِ، وَالْجُلُوسُ وَالْإِصْغَاءُ إلَى مَنْ يَتَحَدَّثُ سِرًّا بِدُونِ إذْنِهِ (وَقِيلَ احْظَرْ) أَيْ امْنَعْ مَنْعَ تَحْرِيمٍ لَا كَرَاهَةٍ، لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «مَنْ تَحَلَّمَ بِحُلْمٍ لَمْ يَرَهُ كُلِّفَ أَنْ يَعْقِدَ بَيْنَ شَعِيرَتَيْنِ وَلَنْ يَفْعَلَ، وَمَنْ اسْتَمَعَ إلَى حَدِيثِ قَوْمٍ وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ صُبَّ فِي أُذُنَيْهِ الْآنُكُ، وَمَنْ صَوَّرَ صُورَةً عُذِّبَ وَكُلِّفَ أَنْ يَنْفُخَ فِيهِ الرُّوحَ وَلَيْسَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute