للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِكَثْرَةِ النَّوْمِ وَالْغَفْلَةِ عَلَى وَجْهِ الْمَدْحِ لَهُ.

وَقَوْلُهَا: وَإِنْ خَرَجَ أَسِدَ تَمْدَحُهُ بِالشَّجَاعَةِ أَيْ صَارَ كَالْأَسَدِ، يُقَالُ: أَسِدَ الرَّجُلُ وَاسْتَأْسَدَ إذَا صَارَ كَذَلِكَ. وَقَوْلُهَا: وَلَا يَسْأَلُ عَمَّا عَهِدَ، أَيْ لَا يُفَتِّشُ عَمَّا رَأَى فِي الْبَيْتِ وَعَرَفَ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: لَا يَتَفَقَّدُ مَا ذَهَبَ مِنْ مَالِهِ، وَلَا يَلْتَفِتُ إلَى مَعَايِبِ الْبَيْتِ وَمَا فِيهِ، فَكَأَنَّهُ سَاهٍ عَنْ ذَلِكَ. قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي كِتَابِهِ شَرْحُ حَدِيثِ أُمِّ زَرْعٍ عَنْ قَوْلِ أَبِي عُبَيْدٍ مَا قَالَ: هَذَا يَقْتَضِي تَفْسِيرَيْنِ لِعَهِدَ، أَحَدُهُمَا عَهِدَ قَبْلُ فَهُوَ يَرْجِعُ إلَى تَفَقُّدِ الْمَالِ، وَالثَّانِي: عَهِدَ الْآنَ فَهُوَ بِمَعْنَى الْإِغْضَاءِ عَنْ الْمَعَايِبِ وَالِاحْتِمَالِ.

وَقَدْ وَرَدَ مِثْلُ هَذَا عَنْ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي وَصْفِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَذَمِّ مَنْ كَانَ بِخِلَافِهِ، فَرُوِيَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ: «إنَّ اللَّهَ يَبْغَضُ الذَّوَّاقَ الْمِطْلَاقَ الَّذِي أَرَاهُ لَا يَأْكُلُ مَا وَجَدَ، وَيَسْأَلُ عَمَّا فُقِدَ، وَهُوَ عِنْدَ أَهْلِهِ كَالْأَسَدِ، وَكَانَ خَارِجًا كَالثَّعْلَبِ، لَكِنْ عَلِيٌّ لِفَاطِمَةَ يَأْكُلُ مَا وَجَدَ، وَلَا يَسْأَلُ عَمَّا فَقَدَ، وَهُوَ عِنْدَهَا كَالثَّعْلَبِ، وَخَارِجًا كَالْأَسَدِ» .

قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: وَالْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ ذِكْرُ فَهِدَ هَذَا عَلَى مَعْنَى الِاسْتِعَارَةِ، جَعَلَتْ كَثْرَةَ تَغَافُلِهِ كَالنَّوْمِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَلَا سِيَّمَا وَقَدْ وُصِفَ الْفَهْدُ بِالْحَيَاءِ وَقِلَّةِ الشَّرَهِ، وَهَذِهِ كُلُّهَا خُلُقُ مَدْحٍ وَهِيَ رَاجِعَةٌ إلَى مَا أَشَارَ إلَيْهِ أَبُو عُبَيْدٍ. وَمِمَّا يُبَيِّنُهُ قَوْلُهَا، وَلَا يَسْأَلُ عَمَّا عَهِدَ.

وَتَلَمَّحَ النَّاظِمُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذَا الْمَعْنَى مَعَ أَمْثَالِهِ وَأَضْعَافِهِ مِنْ كَلَامِ النُّبُوَّةِ وَالْعُلَمَاءِ.

مَطْلَبٌ: فِي غَضِّ الطَّرْفِ وَالتَّغَافُلِ عَنْ زَلَّةِ الْإِخْوَانِ

قَالَ مُتَمِّمًا لِمَا قَدَّمَهُ (وَغُضَّ) طَرْفَك وَتَغَافَلْ (عَنْ عَوَارٍ) بِتَثْلِيثِ الْعَيْنِ الْعَيْبُ، لِأَنَّ تَأَمُّلَ الْعَيْبِ عَيْبٌ فَالْأَوْلَى التَّغَافُلُ. قَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: الْعَاقِلُ هُوَ الْحَكِيمُ الْمُتَغَافِلُ. وَقِيلَ لِبَعْضِ الْعَارِفِينَ: مَا الْمُرُوءَةُ؟ قَالَ التَّغَافُلُ عَنْ زَلَّةِ الْإِخْوَانِ. وَفِي فُرُوعِ الْإِمَامِ ابْن مُفْلِحٍ: حَدَّثَ رَجُلٌ لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ مَا قِيلَ: الْعَافِيَةُ عَشَرَةُ أَجْزَاءٍ تِسْعَةٌ مِنْهَا فِي التَّغَافُلِ، فَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: الْعَافِيَةُ

<<  <  ج: ص:  >  >>