ذَلِكَ كَثِيرَةٌ مَعْرُوفَةٌ، وَالْهِمَمُ الْعَالِيَةُ لِنَيْلِ تِلْكَ الْمَرْتَبَةِ نَاهِضَةٌ مَصْرُوفَةٌ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: الصَّبْرُ فِي الْقُرْآنِ فِي تِسْعِينَ مَوْضِعًا.
وَاعْلَمْ أَنَّ الصَّبْرَ عِنْدَ أَرْبَابِ التَّصَوُّفِ خُلُقٌ فَاضِلٌ مِنْ أَخْلَاقِ النَّفْسِ، يَمْنَعُ مِنْ فِعْلِ مَا لَا يَحْسُنُ وَلَا يَجْمُلُ، وَهُوَ قُوَّةٌ مِنْ قُوَى النَّفْسِ الَّتِي بِهَا صَلَاحُ شَأْنِهَا، وَقِوَامُ أَمْرِهَا. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: الصَّبْرُ اعْتِرَافُ الْعَبْدِ لِلَّهِ بِمَا أَصَابَهُ مِنْهُ وَاحْتِسَابُهُ عِنْدَ اللَّهِ وَرَجَاءُ ثَوَابِهِ. وَقَدْ يَجْزَعُ الْإِنْسَانُ وَهُوَ مُتَجَلِّدٌ لَا يُرَى مِنْهُ إلَّا الصَّبْرُ. قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَام ابْنُ تَيْمِيَّةَ قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ: الصَّبْرُ عَلَى الْمَصَائِبِ وَاجِبٌ بِاتِّفَاقِ أَئِمَّةِ الدِّينِ. إنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي وُجُوبِ الرِّضَا. انْتَهَى. وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّمَا الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الْأُولَى» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. وَفِي لَفْظٍ «إنَّمَا الصَّبْرُ عِنْدَ أَوَّلِ صَدْمَةٍ» . وَقَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الصَّبْرُ ضِيَاءٌ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ وَلَا وَصَبٍ وَلَا هَمٍّ وَلَا حَزَنٍ وَلَا أَذًى وَلَا غَمٍّ حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا إلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ» .
الْهَمُّ عَلَى الْمَكْرُوهِ الْمُسْتَقْبَلِ، وَالْحَزَنُ عَلَى الْمَاضِي، وَالْغَمُّ عَلَى النَّازِلِ بِك الْمُتَلَبِّسُ أَنْتَ بِهِ. وَالْهَمُّ يُسْهِرُ، وَالْغَمُّ يُنَوِّمُ، وَالنَّصَبُ التَّعَبُ، وَالْوَصَبُ الْمَرَضُ.
قَالَ الْجُنَيْدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَرَضِيَ عَنْهُ وَقَدْ سُئِلَ عَنْ الصَّبْرِ: هُوَ تَجَرُّعُ الْمَرَارَةِ مِنْ غَيْرِ تَعَبُّسٍ.
وَقَالَ الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ فِي قَوْله تَعَالَى {سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ} [الرعد: ٢٤] صَبَرُوا عَلَى مَا أُمِرُوا بِهِ وَعَمَّا نُهُوا عَنْهُ. فَلِهَذِهِ الْأَخْبَارِ وَأَضْعَافِ أَضْعَافِهَا أَمَرَك النَّاظِمُ أَنْ تَكُونَ صَابِرًا مُتَلَبِّسًا (بِالْفَقْرِ) وَمُصَاحِبًا لَهُ. وَهُوَ بِالْفَتْحِ وَيُضَمُّ ضِدُّ الْغِنَى.
مَطْلَبٌ: فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْمِسْكِينِ وَالْفَقِيرِ
وَفِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ الْفَقِيرُ مَنْ وَجَدَ أَقَلَّ مِنْ نِصْفِ كِفَايَتِهِ أَوْ لَمْ يَجِدْ شَيْئًا أَصْلًا. وَالْمِسْكِينُ مَنْ وَجَدَ نِصْفَ كِفَايَتِهِ فَأَكْثَرَ. فَالْفَقِيرُ أَشَدُّ احْتِيَاجًا مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute