طَلَبُهُ لَا يَكُونُ إلَّا بِالْإِخْلَاصِ لَزِمَ الدَّوْرُ، انْتَهَى. وَهَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ خُلَاصَةَ التَّحْقِيقِ، وَدَقِيقَةَ التَّدْقِيقِ وَاَللَّهُ وَلِيُّ التَّوْفِيقِ.
مَطْلَبٌ: فِي الْحَثِّ عَلَى الْعَمَلِ بِالْعِلْمِ
وَلَمَّا كَانَ الْمَقْصُودُ مِنْ الْعِلْمِ الْعَمَلَ، فَمَنْ تَرَكَهُ لَمْ يَنَلْ إلَّا الْخَيْبَةَ وَالْوَجَلَ، وَالنَّدَامَةَ وَالْخَجَلَ. أَمَرَك النَّاظِمَ بِهِ فَقَالَ:
وَكُنْ عَامِلًا بِالْعِلْمِ فِيمَا اسْتَطَعْته ... لِيُهْدَى بِك الْمَرْءُ الَّذِي بِك يَقْتَدِي
(وَكُنْ) أَيُّهَا الطَّالِبُ، الَّذِي فِي مَرْضَاةِ مَوْلَاك رَاغِبًا (عَامِلًا بِالْعِلْمِ) الَّذِي بَذَلْت وُسْعَك فِي تَحْصِيلِهِ، وَتَبْوِيبِهِ وَتَفْصِيلِهِ، وَتَرَكْت فِيهِ الرُّقَادَ، وَرَفَضْت لِأَجْلِهِ الْمِهَادَ وَالْوِسَادَ، وَصَرَمْت النِّسَاءَ وَالْأَوْلَادَ، وَهَجَرْت الْوَطَنَ وَالْمِيلَادَ، وَأَلِفْت السُّهَادَ، وَعَزَفْت الْأَخْدَانَ وَالْأَحْفَادَ، وَالْإِخْوَانَ وَالْأَجْدَادَ (فِيمَا) أَيْ الْقَدْرِ الَّذِي (اسْتَطَعْته) مِنْ ذَلِكَ، وَمَعْنَى اسْتَطَاعَ أَطَاقَ، وَيُقَالُ اسْطَاعَ بِحَذْفِ التَّاءِ اسْتِثْقَالًا لَهَا مَعَ الطَّاءِ، وَيَكْرَهُونَ إدْغَامَ الطَّاءِ فِيهَا فَتُحَرَّكُ السِّينُ وَهِيَ لَا تُحَرَّكُ أَبَدًا، وَقَرَأَ حَمْزَةُ {فَمَا اسْطَاعُوا} [الكهف: ٩٧] بِالْإِدْغَامِ، فَجَمَعَ بَيْنَ السَّاكِنَيْنِ، وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ، وَهَذَا لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كُلُّ عِلْمٍ وَبَالٌ عَلَى صَاحِبِهِ إلَّا مَنْ عَمِلَ بِهِ» رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ مِنْ حَدِيثِ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ.
وَلِمَا رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ زَاذَانَ قَالَ: نُبِّئْت أَنَّ بَعْضَ مَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ تَتَأَذَّى أَهْلُ النَّارِ بِرِيحِهِ، فَقَالَ لَهُ: وَيْلك مَا كُنْت تَعْمَلُ أَمَا يَكْفِينَا مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ الشَّرِّ حَتَّى اُبْتُلِينَا بِك وَبِنَتِنِ رِيحِك، فَيَقُولُ كُنْت عَالِمًا فَلَمْ أَنْتَفِعْ بِعِلْمِي. فَاعْمَلْ أَيُّهَا الْأَخُ بِعِلْمِك لِتَسْلَمَ مِنْ هَذَا الْوَعِيدِ الشَّدِيدِ وَ (لِيُهْدَى) أَيْ يُرْشَدُ وَيُسْعَدُ بِالِاقْتِدَاءِ (بِك) أَيْ بِعَمَلِك الصَّالِحِ، وَكَدْحِك النَّاجِحِ (الْمَرْءُ) أَيْ الْإِنْسَانُ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى (الَّذِي بِك) أَيْ بِعَمَلِك وَجِدِّك وَاجْتِهَادِك فِي عِبَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى (يَقْتَدِي) أَيْ يَتَّبِعُ وَيَسْتَنُّ بِسُنَّتِك، مُشْتَقٌّ مِنْ الْقُدْوَةِ بِتَثْلِيثِ الْقَافِ وَكَعِدَّةِ مَا سَنَنْت بِهِ وَاقْتَدَيْت بِهِ.
قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلِيَحْذَرْ الْعَالِمُ وَلِيَجْتَهِدْ فَإِنَّ ذَنْبَهُ أَشَدُّ. نَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute