عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: الْعَالِمُ يُقْتَدَى بِهِ لَيْسَ الْعَالِمُ مِثْلَ الْجَاهِلِ.
وَمَعْنَاهُ لِابْنِ الْمُبَارَكِ وَغَيْرِهِ.
وَقَالَ الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ: يُغْفَرُ لِسَبْعِينَ جَاهِلًا قَبْلَ أَنْ يُغْفَرَ لِعَالِمٍ وَاحِدٍ.
قَالَ: وَقَالَ شَيْخُنَا - يَعْنِي شَيْخَ الْإِسْلَامِ ابْنَ تَيْمِيَّةَ قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ -: أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَالِمٌ لَمْ يَنْفَعْهُ اللَّهُ بِعِلْمِهِ فَذَنْبُهُ مِنْ جِنْسِ ذَنْبِ الْيَهُودِ.
وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي صَدْرِ هَذَا الْكِتَابِ طَرَفًا صَالِحًا مِنْ هَذَا الْبَابِ. وَفِي الْقَوْلِ الْعَلِيِّ لِشَرْحِ أَثَرِ سَيِّدِنَا الْإِمَامِ عَلِيٍّ مَا يَكْفِي وَيَشْفِي.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ النَّاسَ فِي هَذَا الْبَابِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ:
الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: مَنْ رُزِقَ عِلْمًا وَأُعِينَ بِقُوَّةِ الْعَزِيمَةِ عَلَى الْعَمَلِ بِهِ، وَهُمْ خُلَاصَةُ الْخَلْقِ وَمُرَادُ الْحَقِّ جَلَّ شَأْنُهُ فِي قَوْلِهِ: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [الأعراف: ٤٢] .
الثَّانِي: مَنْ حُرِمَهُمَا مَعًا، وَهُمْ شَرُّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ فَهَؤُلَاءِ شَرُّ الْبَرِّيَّةِ، يُضَيِّقُونَ الدِّيَارَ، وَيُغَلُّونَ الْأَسْعَارَ، وَعِنْدَ أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ يَعْلَمُونَ، وَلَكِنَّ ظَاهِرًا مِنْ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنْ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ. كَمَا قِيلَ فِيهِمْ وَفِي أَضْرَابِهِمْ وَجُلِّهِمْ إذَا فَكَّرْت فِيهِمْ حَمِيرٌ أَوْ كِلَابٌ أَوْ ذِئَابٌ. وَكَقَوْلِ الْبُحْتُرِيِّ:
لَمْ يَبْقَ مِنْ جُلِّ هَذَا النَّاسِ بَاقِيَةٌ ... يَنَالُهَا الْوَهْمُ إلَّا هَذِهِ الصُّوَرُ
الثَّالِثُ: مَنْ فُتِحَ عَلَيْهِ بَابُ الْعِلْمِ وَأُغْلِقَ عَنْهُ بَابُ الْعَمَلِ وَالْعَزْمِ، فَهَذَا فِي رُتْبَةِ الْجَاهِلِ بَلْ شَرٌّ مِنْهُ. وَعِنْدَ أَبِي نُعَيْمٍ مَرْفُوعًا «أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَالِمٌ لَمْ يَنْفَعْهُ اللَّهُ بِعِلْمِهِ» وَتَقَدَّمَ قَرِيبًا، فَهَذَا جَهْلُهُ وَعِلْمُهُ سَوَاءٌ، بَلْ رُبَّمَا كَانَ جَهْلُهُ أَخَفَّ لِعَذَابِهِ مِنْ عِلْمِهِ، فَمَا زَادَهُ الْعِلْمُ إلَّا وَبَالًا، مَعَ عَدَمِ الطَّمَعِ فِي صَلَاحِهِ، بِخِلَافِ التَّائِهِ عَنْ الطَّرِيقِ فَإِنَّهُ يُرْجَى لَهُ الْعَوْدُ إلَيْهَا إذَا أَبْصَرَهَا، وَأَمَّا مَنْ رَآهَا وَحَادَ عَنْهَا فَمَتَى تُرْجَى هِدَايَتُهُ؟ ، الرَّابِعُ: مَنْ رُزِقَ حَظًّا مِنْ الْعَمَلِ وَالْإِرَادَةِ وَلَكِنْ قَلَّ نَصِيبُهُ مِنْ الْعِلْمِ وَالْمَعْرِفَةِ، فَهَذَا إذَا وَافَقَ لَهُ الِاقْتِدَاءُ بِدَاعٍ مِنْ دُعَاةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ كَانَ مِنْ الَّذِينَ قَالَ فِيهِمْ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} [النساء: ٦٩] الْآيَة. وَيُقَالُ: إذَا فَسَدَ الْعَالِمُ فَسَدَ لِفَسَادِهِ الْعَالَمُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute