وَالْقَطْعُ فِيهِ أَمْرٌ عَادِيٌّ، وَقَدْ يُقَالُ مِثْلُهُ فِي أَكْلِ كُلِّ لُقْمَةٍ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمْنَا عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ.
قَالَ إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ تَعَشَّيْت مَرَّةً أَنَا وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ وَقَرَابَةٌ لَهُ فَجَعَلَنَا لَا نَتَكَلَّمُ، وَهُوَ يَأْكُلُ وَيَقُولُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَبِسْمِ اللَّهِ، قَالَ: أَكْلٌ وَحَمْدٌ خَيْرٌ مِنْ أَكْلٍ وَصَمْتٍ ". قَالَ فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى: وَلَمْ أَجِدْ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - خِلَافَ هَذِهِ الرِّوَايَةِ صَرِيحًا وَلَمْ أَجِدْهَا فِي كَلَامِ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ.
وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْإِمَامَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - اتَّبَعَ الْأَثَرَ فِي ذَلِكَ كَمَا هُوَ عَادَتُهُ فَقَدْ رَوَى الْخَلَّالُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ لِقَوْمٍ أَكَلُوا مَعَهُ " يَا بَنِيَّ لَا تَدَعُوا أَنْ تَأْدِمُوا أَوَّلَ طَعَامِكُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ. أَكْلٌ وَحَمْدٌ خَيْرٌ مِنْ أَكْلٍ وَصَمْتٍ "، وَكَذَا قَالَ خَالِدُ بْنُ مَعْدَانَ التَّابِعِيُّ الثِّقَةُ الْفَقِيهُ الصَّالِحُ " أَكْلٌ وَحَمْدٌ خَيْرٌ مِنْ أَكْلٍ وَصَمْتٍ "، ثُمَّ قَالَ فِي الْآدَابِ: وَجْهُ الْأَوَّلِ يَعْنِي الِاكْتِفَاءَ بِالْبَسْمَلَةِ فِي الِابْتِدَاءِ.
وَالْحَمْدَلَةُ فِي الِانْتِهَاءِ ظَاهِرُ الْأَخْبَارِ، فَإِنَّهُ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اقْتَصَرَ فِيهَا عَلَى التَّسْمِيَةِ أَوَّلًا، وَالْحَمْدِ أَخِيرًا، وَلَوْ كَانَ يَعْنِي تَكْرَارَ ذَلِكَ مَعَ كُلِّ لُقْمَةٍ مُسْتَحَبًّا لَنُقِلَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَوْلًا، أَوْ فِعْلًا، وَلَوْ فِي حَدِيثٍ وَاحِدٍ، بَلْ ظَاهِرُ مَا نُقِلَ مِنْ حَالِهِ أَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْهُ، وَهُوَ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْغَايَةُ فِي فِعْلِ الْفَضَائِلِ، وَكَذَلِكَ الْمَعْرُوفُ، وَالْمَشْهُورُ مِنْ فِعْلِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
مَطْلَبٌ: فِيمَا يَقُولُهُ الْآكِلُ وَالشَّارِبُ آخِرَ طَعَامِهِ مِنْ الْحَمْدِ وَالثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ
(ثُمَّ) بَعْدَ فَرَاغِك مِنْ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ (فِي الِانْتِهَاءِ) مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا (احْمَدْ) اللَّهَ تَعَالَى فِعْلُ أَمْرٍ مِنْ حَمِدَ يَحْمَدُ يَعْنِي اثْنِ عَلَى اللَّهِ وَاشْكُرْهُ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ الَّذِي أَسْدَى لَك هَذِهِ النِّعَمَ وَسَوَّغَ الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ حَتَّى حَصَلَ لَك بِهِمَا الْغِذَاءَ فَهُوَ جَلَّ شَأْنُهُ جَدِيرٌ بِأَنْ يُحْمَدَ لِذَاتِهِ فَكَيْفَ يُتْرَكُ الْحَمْدُ لَهُ وَالثَّنَاءُ عَلَيْهِ مَعَ نِعَمِهِ الْمُتَرَادِفَةِ وَمِنَنِهِ الْمُتَوَاصِلَةِ.
وَقَدْ وَرَدَ عَنْ النَّبِيِّ الْمُصْطَفَى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ذَلِكَ عِدَّةُ أَحَادِيثَ: مِنْهَا مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute