يَحْلِفُ بِهَا كَاذِبًا عَالِمًا بِكَذِبِهِ.
قَالَ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْأُصُولِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ، وَلِذَا قَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْخَبَرِ الصَّحِيحِ الْمَشْهُورِ الَّذِي بَلَغَ التَّوَاتُرَ «مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ» فَقَيَّدَهُ بِالْعَمْدِ. قِيلَ هُوَ دُعَاءٌ بِلَفْظِ الْأَمْرِ أَيْ بَوَّأَهُ اللَّهُ ذَلِكَ، وَقِيلَ هُوَ خَبَرٌ بِلَفْظِ الْأَمْرِ يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ «يَلِجُ النَّارَ» . وَلِذَا قَالَ بَعْضُ الْمُتَكَلِّمِينَ شَرْطُ الْكَذِبِ الْعَمْدِيَّةُ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ أَيْضًا: يُعْتَبَرُ لِلصِّدْقِ الِاعْتِقَادُ وَإِلَّا فَهُوَ كَاذِبٌ، وَعَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ إنْ طَابَقَ الْحُكْمَ الْخَارِجِيَّ فَصِدْقٌ وَإِلَّا فَكَذِبٌ. ثُمَّ قَالَ: فَإِذَا أَخْبَرَ الْمَرْءُ عَنْ وُجُودِ شَيْءٍ يَعْلَمُهُ أَوْ يَظُنُّهُ جَازَ، وَإِنْ عَلِمَ عَدَمَهُ أَوْ ظَنَّهُ لَمْ يَجُزْ، وَكَذَا إنْ شَكَّ فِيهِ لِأَنَّ الشَّكَّ لَا يَصْلُحُ مُسْتَنَدًا لِلْإِخْبَارِ، وَسَوَاءٌ طَابَقَ الْخَارِجَ مَعَ الظَّنِّ أَوْ الشَّكِّ أَوْ لَا، وَلَا كَفَّارَةَ فِي الْيَمِينِ عَلَى الْمَاضِي كَمَا فِي الْمُغْنِي وَغَيْرِهِ.
قَالَ لِأَنَّهَا تَنْقَسِمُ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ: مَا هُوَ صَادِقٌ فِيهِ فَلَا كَفَّارَةَ فِيهِ إجْمَاعًا، وَمَا تَعَمَّدَ الْكَذِبَ فِيهِ فَهِيَ الْيَمِينُ الْغَمُوسُ، وَمَا يَظُنُّهُ حَقًّا فَتَبَيَّنَ بِخِلَافِهِ فَلَا كَفَّارَةَ فِيهِ. وَذَكَرَ فِي الْأَخِيرَيْنِ رِوَايَةً قَالَ فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى: وَبِهَذَا ظَهَرَ أَنَّهُ لَوْ شَكَّ وَحَلَفَ عَلَى خِلَافِ مَا يَظُنُّهُ فَطَابَقَ أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ لِأَنَّهُ صَادِقٌ وَإِنْ لَمْ يَجُزْ إقْدَامُهُ عَلَى الْيَمِينِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
مَطْلَبٌ: فِي مَثَالِبِ الْكَذِبِ.
وَأَمَّا مَثَالِبُ الْكَذِبِ فَهِيَ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُذْكَرَ. فَأَخْرَجَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «اضْمَنُوا لِي سِتًّا مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَضْمَنْ لَكُمْ الْجَنَّةَ: اُصْدُقُوا إذَا حَدَّثْتُمْ، وَأَوْفُوا إذَا وَعَدْتُمْ، وَأَدُّوا إذَا اُؤْتُمِنْتُمْ، وَاحْفَظُوا فُرُوجَكُمْ، وَغُضُّوا أَبْصَارَكُمْ، وَكُفُّوا أَيْدِيَكُمْ» .
وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَأَبُو يَعْلَى وَالْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَرْفُوعًا بِلَفْظِ «تَقَبَّلُوا لِي سِتًّا أَتَقَبَّلُ لَكُمْ الْجَنَّةَ: إذَا حَدَّثَ أَحَدُكُمْ فَلَا يَكْذِبْ، وَإِذَا وَعَدَ فَلَا يُخْلِفْ، وَإِذَا اُؤْتُمِنَ فَلَا يَخُنْ، غُضُّوا أَبْصَارَكُمْ، وَكُفُّوا أَيْدِيَكُمْ، وَاحْفَظُوا فُرُوجَكُمْ» .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute