الْعِلْمَ وَعَلَّمْتُهُ وَقَرَأْت فِيك الْقُرْآنَ، قَالَ: كَذَبْت وَلَكِنَّك تَعَلَّمْت لَيُقَالَ: عَالِمٌ، وَقَرَأْت لَيُقَالَ: هُوَ قَارِئٌ فَقَدْ قِيلَ. ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ» الْحَدِيثُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ.
فَلَا بُدَّ مِنْ تَصْحِيحِ النِّيَّةِ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ. فَقَدْ نَقَلَ مُهَنَّا صَاحِبُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ يَعْنِي الْإِمَامَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: طَلَبُ الْعِلْمِ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ لِمَنْ صَحَّتْ نِيَّتُهُ. قِيلَ فَأَيُّ شَيْءٍ تَصْحِيحُ النِّيَّةِ؟ قَالَ يَنْوِي أَنْ يَتَوَاضَعَ فِيهِ وَيَنْفِيَ عَنْهُ الْجَهْلَ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ لِأَبِي دَاوُد: شَرْطُ النِّيَّةِ شَدِيدٌ حُبِّبَ إلَيَّ فَجَمَعْتُهُ.
وَقَالَ لِابْنِ هَانِئٍ: الْعِلْمُ لَا يَعْدِلُهُ شَيْءٌ.
إذَا عَلِمْت هَذَا (فَ) قَدْ ظَهَرَ لَك (أَنَّ مِلَاكَ الْأَمْرِ) يَعْنِي كُلَّ الْأَمْرِ وَرُوحَهُ وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ مُجْتَمِعٌ (فِي حُسْنِ مَقْصِدِ) أَيْ فِي حُسْنِ الْقَصْدِ وَالنِّيَّةِ وَالْإِخْلَاصِ لِلَّهِ، وَرَفْضِ شَائِبَةِ الرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ وَالْأَغْرَاضِ الدَّنِيَّةِ، وَالْأَعْرَاضِ الدُّنْيَوِيَّةِ، قَالَ فِي الْقَامُوسِ: مَلَاكُ الْأَمْرِ وَيُكْسَرُ: قِوَامُهُ الَّذِي يُمْلَكُ بِهِ، وَفِي نِهَايَةِ ابْنِ الْأَثِير: وَفِيهِ يَعْنِي الْحَدِيثَ مِلَاكُ الدِّينِ الْوَرَعُ، الْمِلَاكُ بِالْكَسْرِ وَالْفَتْحِ قِوَامُ الشَّيْءِ وَنِظَامُهُ وَمَا يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ فِيهِ. انْتَهَى.
فَلَا بُدَّ مِنْ الْإِخْلَاصِ لِتَنَالَ الْخَلَاصَ، وَإِلَّا وَقَعْت فِي قَيْدِ الْأَقْفَاصِ، {وَلاتَ حِينَ مَنَاصٍ} [ص: ٣] .
(تَنْبِيهٌ) : ذَكَرَ الْإِمَامُ الْعَلَامَةُ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي الْفُرُوعِ عَنْ شَيْخِهِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ طَيَّبَ اللَّهُ مَثْوَاهُ، أَنَّ مَنْ فَعَلَ هَذَا يَعْنِي طَلَبَ الْعِلْمِ أَوْ غَيْرَهُ مِمَّا هُوَ خَيْرٌ فِي نَفْسِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَحَبَّةِ لَهُ لَا لِلَّهِ وَلَا لِغَيْرِهِ مِنْ الشُّرَكَاءِ فَلَيْسَ مَذْمُومًا بَلْ قَدْ يُثَابُ بِأَنْوَاعٍ مِنْ الثَّوَابِ، إمَّا بِزِيَادَةٍ فِيهَا وَفِي أَمْثَالِهَا فَيَتَنَعَّمُ بِذَلِكَ فِي الدُّنْيَا، وَلَوْ كَانَ فِعْلُ كُلِّ حَسَنٍ لَمْ يُفْعَلْ لِلَّهِ مَذْمُومًا لَمَا أُطْعِمَ الْكَافِرُ بِحَسَنَاتِهِ فِي الدُّنْيَا؛ لِأَنَّهَا تَكُونُ سَيِّئَاتٍ، وَقَدْ يَكُونُ مِنْ فَوَائِدِ ذَلِكَ وَثَوَابِهِ فِي الدُّنْيَا أَنْ يَهْدِيَهُ اللَّهُ إلَى أَنْ يَتَقَرَّبَ بِهَا إلَيْهِ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ بَعْضِهِمْ طَلَبْنَا الْعِلْمَ لِغَيْرِ اللَّهِ فَأَبَى أَنْ يَكُونَ إلَّا لِلَّهِ، وَقَوْلُ الْآخَرِ: طَلَبُهُمْ لَهُ نِيَّةٌ يَعْنِي نَفْسَ طَلَبِهِ حَسَنٌ يَنْفَعُهُمْ. وَهَذَا قِيلَ فِي الْعِلْمِ؛ لِأَنَّهُ الدَّلِيلُ الْمُرْشِدُ، فَإِذَا طَلَبَهُ بِالْمَحَبَّةِ وَحَصَّلَهُ عَرَّفَهُ الْإِخْلَاصَ، فَالْإِخْلَاصُ لَا يَقَعُ إلَّا بِالْعِلْمِ، فَلَوْ كَانَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute