للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قَدْ أَثْمَرَتْ شَجَرَاتُ الْفَهْمِ عِنْدَهُمْ ... فَمَا جَنَوْا إذْ جَنَوْا مِمَّا بِهِ ارْتَفَعُوا

سُرُّوا فَمَا وَهَنُوا عَجْزًا وَمَا ضَعُفُوا ... وَوَاصَلُوا حَبْلَ تَقْرِيبِي فَمَا انْقَطَعُوا

وَفِي أَثَرٍ مَشْهُودٍ «كَذَبَ مَنْ ادَّعَى مَحَبَّتِي فَإِذَا جَنَّهُ اللَّيْلُ نَامَ عَنِّي، أَلَيْسَ كُلُّ مُحِبٍّ يُحِبُّ خَلْوَةَ حَبِيبِهِ، فَهَا أَنَا ذَا مُطَّلِعٌ عَلَى أَحِبَّائِي إذَا جَنَّهُمْ اللَّيْلُ جَعَلْت أَبْصَارَهُمْ فِي قُلُوبِهِمْ، فَخَاطَبُونِي عَلَى الْمُشَاهَدَةِ، وَكَلَّمُونِي عَلَى حُضُورِي، غَدًا أُقِرُّ أَعْيُنَ أَحْبَابِي فِي جِنَانِي» .

حِكَايَةٌ لَطِيفَةٌ وَفِي الْمَوْرِدِ الْعَذْبِ لِلْإِمَامِ الْحَافِظِ ابْنِ الْجَوْزِيِّ رَوَّحَ اللَّهُ رُوحَهُ: قَالَ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زَيْدٍ: عَصَفَتْ بِنَا الرِّيحُ عَلَى جَزِيرَةٍ فِي الْبَحْرِ، فَإِذَا بِرَجُلٍ يَعْبُدُ صَنَمًا. فَقُلْنَا لَهُ أَيُّهَا الرَّجُلُ مَنْ تَعْبُدُ؟ فَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إلَى الصَّنَمِ، فَقُلْنَا لَهُ إنَّ مَعَنَا فِي الْمَرْكَبِ مَنْ يَعْمَلُ هَذَا، قَالَ فَأَنْتُمْ مَنْ تَعْبُدُونَ؟ قُلْنَا نَعْبُدُ اللَّهَ تَعَالَى، قَالَ وَمَنْ هُوَ؟ قُلْنَا الَّذِي فِي السَّمَاءِ عَرْشُهُ، وَفِي الْأَرْضِ سُلْطَانُهُ، وَفِي الْأَحْيَاءِ وَالْأَمْوَاتِ قَضَاؤُهُ. قَالَ كَيْفَ عَلِمْتُمْ هَذَا؟ قُلْنَا وَجَّهَ إلَيْنَا رَسُولًا أَعْلَمَنَا بِهِ، قَالَ فَمَا فَعَلَ الرَّسُولُ؟ قُلْنَا قَبَضَهُ اللَّهُ إلَيْهِ، قَالَ فَهَلْ تَرَكَ عِنْدَكُمْ عَلَامَةً؟ قُلْنَا: تَرَكَ عِنْدَنَا كِتَابَ الْمَلِكِ، قَالَ أَرُونِيهِ، فَأَتَيْنَاهُ بِالْمُصْحَفِ فَقَالَ مَا أَعْرِفُ هَذَا، فَقَرَأْنَا عَلَيْهِ سُورَةً وَهُوَ يَبْكِي، ثُمَّ قَالَ يَنْبَغِي لِصَاحِبِ هَذَا الْكَلَامِ أَنْ لَا يُعْصَى، فَأَسْلَمَ وَحَمَلْنَاهُ مَعَنَا وَعَلَّمْنَاهُ شَرَائِعَ الْإِسْلَامِ وَسُوَرًا مِنْ الْقُرْآنِ، فَلَمَّا جَنَّ اللَّيْلُ صَلَّيْنَا وَأَخَذْنَا مَضَاجِعَنَا، فَقَالَ يَا قَوْمُ الْإِلَهُ الَّذِي دَلَلْتُمُونِي عَلَيْهِ أَيَنَامُ إذَا جَنَّهُ اللَّيْلُ؟ قُلْنَا لَا يَا عَبْدَ اللَّهِ هُوَ حَيٌّ قَيُّومٌ لَا يَنَامُ، قَالَ بِئْسَ الْعَبِيدُ أَنْتُمْ تَنَامُونَ وَمَوْلَاكُمْ لَا يَنَامُ، فَعَجِبْنَا مِنْ كَلَامِهِ، فَلَمَّا قَدِمْنَا عَبَّادَانَ جَمَعْنَا لَهُ دَرَاهِمَ وَأَعْطَيْنَاهَا لَهُ وَقُلْنَا لَهُ أَنْفِقْهَا، قَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ دَلَلْتُمُونِي عَلَى طَرِيقٍ لَمْ تَسْلُكُوهُ، أَنَا كُنْت فِي جَزِيرَةٍ فِي الْبَحْرِ أَعْبُدُ صَنَمًا مِنْ دُونِهِ فَلَمْ يُضَيِّعْنِي فَكَيْفَ الْآنَ وَقَدْ عَرَفْته، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ أَيَّامٍ أَتَانِي آتٍ فَقَالَ لِي: إنَّهُ يُعَالِجُ سَكَرَاتِ الْمَوْتِ، فَجِئْته وَقُلْت أَلَكَ حَاجَةً؟ فَقَالَ قَدْ قَضَى حَوَائِجِي مَنْ عَرَّفْتنِي بِهِ. فَبَيْنَمَا أَنَا أُكَلِّمُهُ إذْ غَلَبَتْنِي عَيْنَايَ فَنِمْت فَرَأَيْت فِي الْمَنَامِ رَوْضَةً وَفِي الرَّوْضَةِ قُبَّةً وَفِيهَا سَرِيرٌ عَلَيْهِ جَارِيَةٌ أَجْمَلُ مِنْ الشَّمْسِ تَقُولُ

<<  <  ج: ص:  >  >>