للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِلِسَانِهِ وَقَلْبِهِ أَوْ بِقَلْبِهِ فَقَطْ، وَمَنْ كَانَ كَذَلِكَ فَيَنْبَغِي هِجْرَانُهُ، أَعْقَبَ ذَلِكَ بِبَيَانِ هِجْرَانِ أَهْلِ الذُّنُوبِ وَالْعِصْيَانِ فَقَالَ:

مَطْلَبٌ: فِي هَجْرِ مَنْ أَعْلَنَ بِالْمَعَاصِي:

وَهِجْرَانُ مَنْ أَبْدَى الْمَعَاصِيَ سُنَّةٌ ... وَقَدْ قِيلَ إنْ يَرْدَعْهُ أَوْجِبْ وَأَكِّدْ

(وَهِجْرَانُ) مَصْدَرُ هَجَرَهُ هَجْرًا بِالْفَتْحِ وَهِجْرًا بِالْكَسْرِ صَرَمَهُ قَالَ فِي النِّهَايَةِ: الْهَجْرُ ضِدُّ الْوَصْلِ يَعْنِي صَرْمَ وَقَطْعَ (مَنْ) أَيْ إنْسَانٍ مُكَلَّفٍ (أَبْدَى) أَيْ أَظْهَرَ وَأَعْلَنَ ذَلِكَ الْمُكَلَّفُ (الْمَعَاصِيَ) جَمْعُ مَعْصِيَةٍ وَهِيَ مَا يُعَابُ فَاعِلُهَا ضِدُّ الطَّاعَةِ. وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الْمَعَاصِي فِعْلِيَّةً أَوْ قَوْلِيَّةً أَوْ اعْتِقَادِيَّةً (سُنَّةٌ) مِنْ سُنَنِ الْمُصْطَفَى يُثَابُ الْإِنْسَانُ عَلَى فِعْلِهَا حَيْثُ كَانَ الْهَجْرُ لِلَّهِ تَعَالَى وَغَضَبًا لِارْتِكَابِ مَعَاصِيهِ أَوْ لِإِهْمَالِ أَوَامِرِهِ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إذَا عَلِمَ أَنَّهُ مُقِيمٌ عَلَى مَعْصِيَتِهِ وَهُوَ يَعْلَمُ بِذَلِكَ لَمْ يَأْثَمْ إنْ جَفَاهُ حَتَّى يَرْجِعَ، وَإِلَّا كَيْفَ يَتَبَيَّنُ لِلرَّجُلِ مَا هُوَ عَلَيْهِ إذَا لَمْ يَرَ مُنْكَرًا وَلَا جَفْوَةً مِنْ صَدِيقٍ. وَقَدْ هَجَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَعْبًا وَصَاحِبِيهِ وَأَمَرَ أَصْحَابَهُ بِهَجْرِهِمْ خَمْسِينَ يَوْمًا. وَهَجَرَ نِسَاءَهُ شَهْرًا. وَهَجَرَتْ سَيِّدَتُنَا عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - ابْنَ أُخْتِهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - مُدَّةً. وَهَجَرَ جَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَمَاتُوا مُتَهَاجِرِينَ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ -.

أَمَّا هِجْرَانُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَعْبًا وَصَاحِبَهُ وَهُمَا (مُرَارَةُ بْنُ رَبِيعَةَ) الْعَامِرِيُّ وَ (هِلَالُ بْنُ أُمَيَّةَ) الْوَاقِفِيُّ فَلِتَخَلُّفِهِمْ عَنْهُ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ.

وَأَمَّا هِجْرَانُهُ أَهْلَهُ شَهْرًا فَلِكَلَامٍ أَغْضَبَهُ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ طَلَبِ بَعْضِ أُمُورٍ وَشُئُونٍ مِنْهُ حَتَّى أَمَرَهُ اللَّهُ أَنْ يُخَيِّرَهُنَّ، فَخَيَّرَهُنَّ فَاخْتَرْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ.

وَأَمَّا هِجْرَانُ سَيِّدَتِنَا وَأُمِّنَا عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - ابْنَ أُخْتِهَا الْإِمَامَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فَلِفَرْطِ كَرَمِهَا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وَعَدَمِ اكْتِرَاثِهَا بِالدُّنْيَا فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إنَّ هَذَا سَفَهٌ أَوْ كَلَامٌ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى أَوْجَبَ غَضَبَ

<<  <  ج: ص:  >  >>