للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذَلِكَ فِي الْآدَابِ وَالرِّعَايَةِ وَغَيْرِهِمَا.

وَقَالَ الْإِمَامُ ابْنُ عَقِيلٍ: رِيحُ الْخَمْرِ كَصَوْتِ الْمَلَاهِي حَتَّى إذَا شَمَّ رِيحَهَا فَاسْتَدَامَ شَمَّهَا كَانَ بِمَثَابَةِ مَنْ سَمِعَ صَوْتَ الْمَلَاهِي فَأَصْغَى إلَيْهَا، وَيَجِبُ سَتْرُ الْمَنْخِرَيْنِ، وَالْإِسْرَاعُ كَسَدِّ الْأُذُنَيْنِ عِنْدَ الِاسْتِمَاعِ. وَعَلَى هَذَا يَحْرُمُ النَّظَرُ إلَى مَلَابِسِ الْحَرِيرِ وَأَوَانِي الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ إنْ دَعَتْ إلَى حُبِّ الدُّنْيَا، وَالْمُفَاخَرَةِ وَيَحْجُبُ ذَلِكَ عَنْهُ. وَنَزِيدُ فَنَقُولُ: التَّفَكُّرُ الدَّاعِي إلَى اسْتِحْضَارِ صُوَرِ الْمَحْظُورِ مَحْظُورٌ، حَتَّى إذَا فَكَّرَ الصَّائِمُ فَأَنْزَلَ أَثِمَ وَقَضَى، وَكَانَ عِنْدِي كَالْعَابِثِ بِذَكَرِهِ فَيُمْنِي، وَأَدَقُّ مِنْ هَذَا لَوْ اسْتَحْضَرَ صُورَةَ الْمَعْشُوقِ وَقْتَ جِمَاعِ أَهْلِهِ. قُلْت: الْمُعْتَمَدُ فِي الْمَذْهَبِ عَدَمُ فِطْرِ الصَّائِمِ بِالْفِكْرِ كَمَا فِي الْإِقْنَاعِ، وَالْمُنْتَهَى؛ لِأَنَّهُ بِغَيْرِ مُبَاشَرَةٍ وَلَا نَظَرٍ أَشْبَهَ الِاحْتِلَامَ، وَالْفِكْرَةَ الْغَالِبَةَ وَلَا يَصِحُّ قِيَاسُهُ عَلَى الْمُبَاشَرَةِ وَالنَّظَرِ؛ لِأَنَّهُ دُونَهُمَا.

قُلْت: وَظَاهِرُ إطْلَاقِهِمْ، وَلَوْ تَمَادَى مَعَ الْفِكْرِ، وَهُوَ مُرَادُهُمْ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْفُرُوعِ قَالَ: وَلَا فِطْرَ وَلَا إثْمَ بِفِكْرٍ غَالِبٍ اتِّفَاقًا، وَقَالَ عَنْ ابْنِ عَقِيلٍ مَذْهَبُ أَحْمَدَ وَمَالِكٍ يَعْنِي فِي الْفِطْرِ بِالتَّفَكُّرِ سَوَاءٌ لِدُخُولِ الْفِكْرِ تَحْتَ النَّهْيِ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِ لَا يُفْطِرُ خِلَافًا لِمَالِكٍ. قَالَ: وَهُوَ يَعْنِي: عَدَمُ الْفِطْرِ بِالْفِكْرِ أَشْهَرُ؛ لِأَنَّهُ دُونَ الْمُبَاشَرَةِ وَتَكْرَارِ النَّظَرِ، وَيُخَالِفُ بِالتَّحْرِيمِ إنْ تَعَلَّقَ بِأَجْنَبِيَّةٍ. زَادَ صَاحِبُ الْمُغْنِي، أَوْ الْكَرَاهَةِ إنْ كَانَ فِي زَوْجَةٍ. يَعْنِي أَنَّ تَكْرَارَ النَّظَرِ فِي الْأَجْنَبِيَّةِ مُحَرَّمٌ سِيَّمَا لِلصَّائِمِ، وَتَكْرَارُهُ فِي زَوْجَتِهِ، وَهُوَ صَائِمٌ مَكْرُوهٌ، وَالْفِكْرُ لَيْسَ يُوَافِقُ وَاحِدًا مِنْهُمَا يَعْنِي لَا هُوَ حَرَامٌ وَلَا مَكْرُوهٌ؛ وَلِذَا قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَا أَظُنُّ مَنْ قَالَ يُفْطِرُ بِهِ، وَهُوَ أَبُو حَفْصٍ الْبَرْمَكِيُّ وَابْنُ عَقِيلٍ يَسْلَمُ فِي ذَلِكَ، يَعْنِي عَدَمَ الْحُرْمَةِ، وَالْكَرَاهَةِ.

وَقَالَ الْإِمَامُ الْمُوَفَّقُ فِي الْمُقْنِعِ فِيمَا لَا يُفْطِرُ بِهِ الصَّائِمُ، أَوْ فَكَّرَ فَأَنْزَلَ لَمْ يَفْسُدْ صَوْمُهُ، وَكَذَا لَوْ فَكَّرَ فَأَمْذَى. قَالَ فِي الْإِنْصَافِ: وَهَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ فِيهِمَا، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا أَصَحُّ الْوَجْهَيْنِ، وَقَالَ أَبُو حَفْصٍ الْبَرْمَكِيُّ وَابْنُ عَقِيلٍ: يُفْطِرُ بِالْإِنْزَالِ، وَالْمَذْيِ إذَا حَصَلَ بِفِكْرِهِ. وَقِيلَ يُفْطِرُ بِهِمَا إنْ اسْتَدْعَاهُمَا وَإِلَّا فَلَا انْتَهَى.

<<  <  ج: ص:  >  >>