للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَمَى نَفْسَهُ الدُّنْيَا وَقَدْ سَمَحَتْ لَهُ ... فَمَنْزِلُهُ إلَّا مِنْ الْقُوتِ مُقْفِرُ

فَإِنْ يَكُ فِي الدُّنْيَا مُقِلًّا فَإِنَّهُ ... مِنْ الْأَدَبِ الْمَحْمُودِ وَالْعِلْمِ مُكْثِرُ

وَقَالَ الْإِمَامُ بِشْرٌ الْحَافِي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَامَ مَقَامَ الْأَنْبِيَاءِ. وَقَالَ أَيْضًا: أُدْخِلَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ الْكِيرَ فَخَرَجَ ذَهَبَةً حَمْرَاءَ.

وَقَدْ رُوِّينَا بِالْإِسْنَادِ إلَى بِشْرٍ قَالَ سَمِعْت الْمُعَافَى بْنَ عِمْرَانَ يَقُولُ: سُئِلَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ الْفُتُوَّةِ، فَقَالَ الْفُتُوَّةُ الْعَقْلُ وَالْحَيَاءُ، وَرَأْسُهَا الْحَافِظُ، وَزِينَتُهَا الْحِلْمُ وَالْأَدَبُ، وَشَرَفُهَا الْعِلْمُ وَالْوَرَعُ، وَحِلْيَتُهَا الْمُحَافَظَةُ عَلَى الصَّلَوَاتِ، وَبِرُّ الْوَالِدَيْنِ وَصِلَةُ الرَّحِمِ، وَبَذْلُ الْمَعْرُوفِ، وَحِفْظُ الْجَارِ وَتَرْكُ التَّكَبُّرِ وَلُزُومُ الْجَمَاعَةِ وَالْوَقَارُ وَغَضُّ الطَّرْفِ عَنْ الْمَحَارِمِ وَلِينُ الْكَلَامِ وَبَذْلُ السَّلَامِ وَأَبَرُّ الْفِتْيَانِ الْعُقَلَاءِ الَّذِينَ عَقَلُوا عَنْ اللَّهِ أَمْرَهُ وَنَهْيَهُ وَصِدْقُ الْحَدِيثِ وَاجْتِنَابُ الْحَلِفِ وَإِظْهَارُ الْمَوَدَّةِ وَإِطْلَاقُ الْوَجْهِ وَإِكْرَامُ الْجَلِيسِ وَالْإِنْصَاتُ لِلْحَدِيثِ وَكِتْمَانُ السِّرِّ وَسَتْرُ الْعُيُوبِ وَأَدَاءُ الْأَمَانَةِ وَتَرْكُ الْخِيَانَةِ وَالْوَفَاءُ بِالْعَهْدِ، وَالصَّمْتُ فِي الْمَجَالِسِ مِنْ غَيْرِ عِيٍّ، وَالتَّوَاضُعُ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ، وَإِجْلَالُ الْكَبِيرِ، وَالرِّفْقُ بِالصَّغِيرِ، وَالرَّأْفَةَ وَالرَّحْمَةَ لِلْمِسْكَيْنِ، وَالصَّبْرُ عِنْدَ الْبَلَاءِ، وَالشُّكْرُ عِنْدَ الرَّخَاءِ وَكَمَالُ الْفُتُوَّةِ الْخَشْيَةُ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَيَنْبَغِي لِلْفَتَى أَنْ تَكُونَ فِيهِ هَذِهِ الْخِصَالُ، فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ فَتًى حَقًّا. قَالَ بِشْرٌ: وَكَذَلِكَ كَانَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فَتًى؛ لِأَنَّهُ قَدْ جَمَعَ هَذِهِ الْخِصَالَ كُلَّهَا.

(خَاتِمَةٌ) ذَكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَئِمَّةِ أَنَّهُ لَمَّا تُوُفِّيَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَجَّهَ ابْنُ طَاهِرٍ بِمَنَادِيلَ فِيهَا ثِيَابٌ وَطِيبٌ، فَقَالَ الرَّسُولُ لِوَلَدِهِ صَالِحٍ: الْأَمِيرُ يُقْرِئُك السَّلَامَ قَدْ فَعَلْت مَا لَوْ كَانَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ حَاضِرًا لَكَانَ فَعَلَهُ قَالَ صَالِحٌ فَأَرْسَلْت إلَيْهِ أَنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ كَانَ أَعْفَاهُ مِمَّا يَكْرَهُ، وَهَذَا مِمَّا يَكْرَهُ، فَعَادَ إلَيْهِ الرَّسُولُ يَقُولُ يَكُونُ شِعَارُهُ وَلَا يَكُونُ دِثَارُهُ، فَأَعَدْت إلَيْهِ مِثْلَ ذَلِكَ فَرَدَّ ذَلِكَ، وَلَمْ يَقْبَلْهُ. وَكَانَتْ جَارِيَةُ الْإِمَامِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَعَدَّتْ لَهُ ثَوْبًا عُشَارِيًّا مِنْ غَزْلِهَا، قُدِّرَ بِثَمَانِيَةٍ وَعِشْرِينَ دِرْهَمًا فَقَطَعُوهُ لَهُ لِفَافَتَيْنِ وَأَخَذُوا مِنْ فُورَانَ لِفَافَةً أُخْرَى.

<<  <  ج: ص:  >  >>