بِالشُّرُوطِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْأُصُولِ عَلَى الْقِيَاسِ وَالْمَعْقُولِ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. وَقَالَ الْخَلَّالُ: حَدَّثَنَا الْمَرُّوذِيُّ قَالَ قَالَ لِي أَحْمَدُ: مَا كَتَبْت حَدِيثًا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا، وَقَدْ عَمِلْت بِهِ حَتَّى مَرَّ بِي فِي الْحَدِيثِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - احْتَجَمَ وَأَعْطَى أَبَا طَيْبَةَ دِينَارًا» ، فَأَعْطَيْت الْحَجَّامَ دِينَارًا حِينَ احْتَجَمْت. وَقَالَ الْحُسَيْنُ بْنُ إسْمَاعِيلَ: سَمِعْت أَبِي يَقُولُ: كَانَ يَجْتَمِعُ فِي مَجْلِسِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ زُهَاءٌ عَلَى خَمْسَةِ آلَافٍ، وَيَزِيدُونَ أَقَلُّ مِنْ خَمْسمِائَةِ يَكْتُبُونَ، وَالْبَاقِي يَتَعَلَّمُونَ مِنْهُ حُسْنَ الْأَدَبِ وَحُسْنَ السَّمْتِ.
وَقَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي الْآدَابِ: رُوِيَ مِنْ غَيْرِ طَرِيقٍ أَنَّ الشَّافِعِيَّ كَتَبَ مِنْ مِصْرَ كِتَابًا وَأَعْطَاهُ لِلرَّبِيعِ بْنِ سَلْمَانَ وَقَالَ: اذْهَبْ بِهِ إلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَأْتِنِي بِالْجَوَابِ، فَجَاءَ بِهِ إلَيْهِ، فَلَمَّا قَرَأَهُ تَغَرْغَرَتْ عَيْنَاهُ بِالدُّمُوعِ. وَكَانَ الشَّافِعِيُّ ذَكَرَ فِيهِ أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمَنَامِ وَقَالَ لَهُ: اُكْتُبْ إلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَاقْرَأْ عَلَيْهِ مِنِّي السَّلَامَ وَقُلْ إنَّك سَتُمْتَحَنُ وَتُدْعَى إلَى خَلْقِ الْقُرْآنِ فَلَا تُجِبْهُمْ يَرْفَعْ اللَّهُ لَك عَلَمًا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. فَقَالَ لَهُ الرَّبِيعُ الْبِشَارَةَ، فَأَعْطَاهُ قَمِيصَهُ الَّذِي يَلِي جَسَدَهُ وَجَوَابَ الْكِتَابِ، فَقَالَ لَهُ الشَّافِعِيُّ أَيُّ شَيْءٍ دَفَعَ إلَيْك؟ قَالَ الْقَمِيصَ الَّذِي يَلِي جَسَدَهُ، قَالَ لَيْسَ نَفْجَعُك بِهِ، وَلَكِنْ بِلَّهُ وَادْفَعْ إلَيْنَا الْمَاءَ حَتَّى نُشْرِكَك فِيهِ. قَالَ الرَّبِيعُ فَغَسَلْته وَحَمَلْت مَاءَهُ إلَيْهِ فَتَرَكَهُ فِي قِنِّينَةٍ وَكُنْت أَرَاهُ كُلَّ يَوْمٍ يَأْخُذُ مِنْهُ فَيَمْسَحُ عَلَى وَجْهِهِ تَبَرُّكًا بِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - انْتَهَى. وَقَدْ رُوِيَتْ هَذِهِ الْحِكَايَةُ مِنْ عِدَّةِ طُرُقٍ وَاشْتُهِرَتْ عَلَى أَلْسِنَةِ الْخَلْقِ، وَتَحَلَّتْ بِهَا الْكُتُبُ الْمُدَوَّنَةُ، وَاشْتُهِرَتْ فِي الْمَحَافِلِ عَلَى الْأَلْسِنَة.
وَأَنْشَدَ إسْمَاعِيلُ بْنُ فُلَانٍ التِّرْمِذِيُّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَصِيدَةً لَهُ فِيهِ وَهُوَ فِي السِّجْنِ فَمِنْهَا قَوْلُهُ:
إذَا مَيَّزَ الْأَشْيَاءَ يَوْمًا وَحَصَّلُوا ... فَأَحْمَدُ مِنْ بَيْنِ الْمَشَايِخِ جَوْهَرُ
إذَا افْتَخَرَ الْأَقْوَامُ يَوْمًا بِسَيِّدٍ ... فَفِيهِ لَنَا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ مَفْخَرُ
فَيَا أَيُّهَا السَّاعِي لِيُدْرِكَ شَأْوَهُ ... رُوَيْدَك عَنْ إدْرَاكِهِ سَتَقْصُرُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute