للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَبَذَوْت عَلَيْهِمْ وَأَبْذَيْتَهُمْ مِنْ الْبَذَاءِ وَهُوَ الْكَلَامُ الْقَبِيحُ، انْتَهَى.

وَقَالَ فِي مَطَالِعِ الْأَنْوَارِ: قَوْلُهُ كَانَتْ تَبْذُو عَلَى أَهْلِهَا أَيْ تُفْحِشُ فِي الْقَوْلِ بَذُوَ يَبْذُو بَذْوًا. كَذَا قَيَّدَهُ الْقُتَبِيُّ. وَقَالَ الْهَرَوِيُّ فِيمَا رَوَيْنَاهُ عَنْ ابْنِ مَعْدَانَ عَنْ أَبِي الْحُسَيْنِ: كَانَتْ بِذَاءٍ بِكَسْرِ الْبَاءِ وَمُبَاذَاةً وَبَذَاءَةً فَهُوَ بَذِيءٌ وَبَذِيٌّ أَيْ مَهْمُوزٌ أَوْ غَيْرُ مَهْمُوزٍ.

وَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَا شَيْءٌ أَثْقَلُ فِي مِيزَانِ الْمُؤْمِنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ خُلُقٍ حَسَنٍ، وَإِنَّ اللَّهَ يَبْغُضُ الْفَاحِشَ الْبَذِيءَ» .

قَالَ الْمُنْذِرِيُّ: الْبَذِيءُ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ مَمْدُودًا هُوَ الْمُتَكَلِّمُ بِالْفُحْشِ وَرَدِيءِ الْكَلَامِ انْتَهَى. فَلَمْ يَذْكُرْ إلَّا أَنَّهُ مَمْدُودٌ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ يُهْمَزُ وَلَا يُهْمَزُ كَمَا فِي الْمَطَالِعِ. وَاقْتَصَرَ فِي الْقَامُوسِ عَلَى أَنَّهُ مَقْصُورٌ فَقَالَ: الْبَذِيُّ كَرَضِيِّ الْفَاحِشُ.

وَإِنَّمَا نَهَاك النَّاظِمُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ مُصَاحَبَةِ مِثْلِ الْهَمَّازِ وَالْبَذِيِّ لِئَلَّا تَقْتَدِيَ بِهِمَا وَتَسْرِقَ طَبِيعَتَك مِنْ طَبِيعَتِهِمَا (فَإِنَّ الْمَرْءَ) وَإِنْ تَحَرَّزَ مَهْمَا أَمْكَنَهُ وَلَوْ صَالِحًا إذَا أَلَمَّ (بِالْمَرْءِ) الْبَذِيِّ وَالْقَتَّاتِ وَالْهَمَّازِ (يَقْتَدِي) بِهِ فِي سِيرَتِهِ وَتَسْرِقُ طَبِيعَتَهُ مِنْ قُبْحِ مَا انْطَوَتْ عَلَيْهِ مَفَاسِدُ سَرِيرَتِهِ.

وَفِي الْحَدِيثِ الشَّرِيفِ «يُحْشَرُ الْمَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلْ» وَلَفْظُ تَبْصِرَةِ ابْنِ الْجَوْزِيِّ «الْمَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلْ» . وَفِي كَلَامِ أَرِسْطُو طَالِيسَ: الْأَشْكَالُ لَاحِقَةٌ بِأَشْكَالِهَا كَمَا أَنَّ الْأَضْدَادَ مُبَايِنَةٌ لِأَضْدَادِهَا. وَقَالَ: مَنْ لَمْ يَرْفَعْ نَفْسَهُ عَنْ قَدْرِ الْجَاهِلِ رَفَعَ الْجَاهِلُ قَدْرَهُ عَلَيْهِ.

وَقَالَ الشَّاعِرُ:

فَمَا يَنْفَعُ الْجَرْبَاءَ قُرْبُ صَحِيحَةٍ ... إلَيْهَا وَلَكِنَّ الصَّحِيحَةَ تَجْرَبُ

فَإِنْ كُنْت لَا تَدْرِي فَتِلْكَ مُصِيبَةٌ ... وَإِنْ كُنْت تَدْرِي فَالْمُصِيبَةُ أَصْعَبُ

وَقَالَ آخَرُ عَلَى وَزَانِهِمَا وَأَحْسَنَ:

فَصَاحِبْ تَقِيًّا عَالِمًا تَنْتَفِعْ بِهِ ... فَصُحْبَةُ أَهْلِ الْخَيْرِ تُرْجَى وَتُطْلَبُ

وَإِيَّاكَ وَالْفُسَّاقَ لَا تَصْحَبَنَّهُمْ ... فَقُرْبُهُمْ يُعْدِي وَهَذَا مُجَرَّبُ

فَإِنَّا رَأَيْنَا الْمَرْءَ يَسْرِقُ طَبْعَهُ ... مِنْ الْإِلْفِ ثُمَّ الشَّرُّ لِلنَّاسِ أَغْلَبُ

<<  <  ج: ص:  >  >>