للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمُبَرِّدِ صَرِيحٌ بِأَنَّهُ ضَرُورَةٌ، وَاسْتَدَلَّ لِذَلِكَ بِقَوْلِ الْمَجْنُون قَيْسِ بْنِ الْمُلَوَّحِ:

وَلَوْ أَنَّ وَاشٍ بِالْيَمَامَةِ دَارُهُ ... وَدَارِي بِأَعْلَى حَضْرَمَوْتَ اهْتَدَى لِيَا

قُلْت: وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةِ مَجْنُونِ عَامِرٍ وَهُوَ قَيْسُ بْنُ الْمُلَوَّحِ الْمَذْكُورِ، تُوُفِّيَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - سَنَةَ سَبْعِينَ وَهُوَ مِنْ التَّابِعِينَ، وَهَذِهِ الْقَصِيدَةُ طَوِيلَةٌ جِدًّا وَفِيهَا يَقُولُ:

أَلَا أَيُّهَا الرَّكْبُ الْيَمَانُونَ عَرِّجُوا ... عَلَيْنَا فَقَدْ أَمْسَى هَوَانَا يَمَانِيَا

يَمِينًا إذَا كَانَتْ يَمِينًا فَإِنْ تَكُنْ ... شِمَالًا يُنَازِعُنِي الْهَوَى مِنْ شِمَالِيَا

أُصَلِّي فَلَا أَدْرِي إذَا مَا ذَكَرْتهَا ... أَثْنَتَيْنِ صَلَّيْت الضُّحَى أَمْ ثَمَانِيَا

أُرَانِي إذَا صَلَّيْت يَمَّمْت نَحْوَهَا ... بِوَجْهِي وَلَوْ كَانَ الْمُصَلَّى وَرَائِيَا

وَمَا بِي إشْرَاكٌ وَلَكِنَّ حُبَّهَا ... كَمِثْلِ الشَّجَا أَعْيَا الطَّبِيبَ الْمُدَاوِيَا

وَأَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الْبُيُوتِ لَعَلَّنِي ... أُحَدِّثُ عَنْك النَّفْسَ بِاللَّيْلِ خَالِيَا

خَلِيلَيَّ لَا وَاَللَّهِ لَا أَمْلِكُ الَّذِي ... قَضَى اللَّهُ فِي لَيْلَى وَلَا مَا قَضَى لِيَا

قَضَاهَا لِغَيْرِي وَابْتَلَانِي بِحُبِّهَا ... فَهَلَّا بِشَيْءٍ غَيْرِ لَيْلَى ابْتَلَانِيَا

وَلَوْ أَنَّ وَاشٍ بِالْيَمَامَةِ دَارُهُ ... وَدَارِي بِأَعْلَى حَضْرَمَوْتَ اهْتَدَى لِيَا

وَمَاذَا لَهُمْ لَا أَحْسَنَ اللَّهُ حَالَهُمْ ... مِنْ الْحَظِّ فِي تَصْرِيمِ لَيْلَى حِبَالِيَا

وَالشَّاهِدُ فِي قَوْلِهِ: وَلَوْ أَنَّ وَاشٍ، فَكَانَ مُقْتَضَى الظَّاهِرِ أَنْ يَقُولَ وَاشِيًا؛ لِأَنَّ الْفَتْحَةَ تَظْهَرُ عَلَى الْمَنْقُوصِ، تَقُولُ رَأَيْت قَاضِيًا وَلَكِنْ أَجْرَاهُ مَجْرَى الْمَرْفُوعِ وَالْمَجْرُورِ، فَإِذَا وَقَفَ عَلَيْهِ قَالَ وَلَوْ أَنَّ وَاشِي بِالْيَاءِ مِثْلَ قَوْلِ النَّاظِمِ نَدِي، فَنَدِي مَنْصُوبٌ بِفَتْحَةٍ مُقَدَّرَةٍ عَلَى الْيَاءِ لِإِجْرَاءِ حَالَةِ النَّصْبِ مَجْرَى حَالَتَيْ الرَّفْعِ وَالْجَرِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ النَّاظِمُ لِمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ رَجُلًا قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ شَرَائِعَ الْإِسْلَامِ قَدْ كَثُرَتْ عَلَيَّ فَأَخْبِرْنِي بِشَيْءٍ أَتَشَبَّثُ - أَيْ أَتَعَلَّقُ - بِهِ قَالَ: لَا يَزَالُ لِسَانُك رَطْبًا مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ» . وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا عَنْ مَالِكِ بْنِ يَخَامِرَ وَلَفْظُهُ «أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ لَهُمْ إنَّ آخِرَ كَلَامٍ فَارَقْت عَلَيْهِ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ قُلْت أَيُّ الْأَعْمَالِ أَحَبُّ إلَى اللَّهِ؟ قَالَ: أَنْ تَمُوتَ وَلِسَانُك رَطْبٌ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ»

<<  <  ج: ص:  >  >>