للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثَّالِثُ) : الْحَدِيثُ الْمُسَلْسَلُ بِالْمُصَافَحَةِ رَوَيْنَاهُ عَنْ عِدَّةِ أَشْيَاخٍ، مِنْهُمْ سَيِّدُنَا الْإِمَامُ الْوَرِعُ خَاتِمَةُ مَنْ رَأَيْنَا مُتَخَلِّقًا بِأَخْلَاقِ السَّلَفِ الصَّالِحِ شَيْخُنَا قَالَ شَيْخُنَا التَّغْلِبِيُّ: صَافَحَنِي الشَّيْخُ أَبُو زَكَرِيَّا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدٍ الشَّاوِيُّ الْمُجَلَّلُ الْإِمَامُ الْأَوْحَدُ، وَالشَّيْخُ الْعَارِفُ شَيْخُنَا عَبْدُ الْغَنِيِّ النَّابُلُسِيُّ وَجَمَاعَةٌ.

قَالَ شَيْخُنَا التَّغْلِبِيُّ: صَافَحَنِي الشَّيْخُ أَبُو زَكَرِيَّا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ الشَّاوِيُّ الْمَغْرِبِيُّ وَذَكَرَ سَنَدَهُ فِي ثَبْتِهِ إلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «صَافَحْت بِكَفِّي هَذِهِ كَفَّ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمْ أَرَ خَزًّا وَلَا حَرِيرًا أَلْيَنَ مِنْ كَفِّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» . وَهَذَا الْحَدِيثُ مُخْتَصَرٌ مِنْ حَدِيثٍ فِي صَحِيحِ مُسْلِمِ وَجَامِعِ التِّرْمِذِيِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(الرَّابِعُ) : صَرَّحَ فِي الْفُصُولِ أَنَّ لِلرَّجُلِ مُصَافَحَةَ الْعَجُوزِ وَالْبَرْزَةِ. وَظَاهِرُ إطْلَاقِهِ بَلْ صَرِيحُهُ وَلَوْ كَانَتْ الْبَرْزَةُ شَابَّةً أَجْنَبِيَّةً، وَذَكَرَهُ عَنْهُ فِي الْآدَابِ وَظَاهِرُ الْإِقْنَاعِ وَالْغَايَةِ يُخَالِفُهُ، وَعِبَارَةُ الْغَايَةِ: وَحَرُمَ مُصَافَحَةُ امْرَأَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ شَابَّةٍ. انْتَهَى.

فَلَمْ يَسْتَثْنِ سِوَى مَا أَفْهَمَهُ مِنْ قَوْلِهِ: أَجْنَبِيَّةٍ ذَوَاتِ مَحَارِمِهِ يَعْنِي وَزَوْجَتَهُ وَأَمَتَهُ. وَبِقَوْلِهِ شَابَّةٍ الْعَجُوزَ وَلَمْ يَقُلْ خَفِرَةً حَتَّى تَخْرُجَ الْبَرْزَةُ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ، وَهُوَ الصَّوَابُ بِلَا شَكٍّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

ثُمَّ ذَكَرَ حُكْمَ السُّجُودِ لِغَيْرِ اللَّهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ مُتَعَلِّقَاتِ السَّلَامِ.

مَطْلَبٌ:

السُّجُودُ يَرِدُ لِمَعَانٍ

وَلَيْسَ لِغَيْرِ اللَّهِ حَلَّ سُجُودُنَا ... وَيُكْرَهُ تَقْبِيلُ الثَّرَى بِتَشَدُّدِ

(وَلَيْسَ لِغَيْرِ اللَّهِ) عَزَّ وَجَلَّ (حَلَّ) أَيْ شُرِعَ (سُجُودُنَا) مَعْشَرَ الْعِبَادِ، وَأَمَّا لِلْمَلِكِ الْجَوَّادِ، فَقَدْ شَرَعَهُ جَلَّ شَأْنُهُ، فَتَارَةً يَكُونُ فَرْضًا، وَأُخْرَى طَاعَةً وَنَفْلًا.

قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْأَنْبَارِيِّ مِنْ أَئِمَّةِ مَذْهَبِنَا: السُّجُودُ يَرِدُ لِمَعَانٍ، مِنْهَا الِانْحِنَاءُ وَالْمَيْلُ مِنْ قَوْلِهِمْ سَجَدَتْ الدَّابَّةُ وَأَسْجَدَتْ إذَا خَفَضَتْ رَأْسَهَا لِتُرْكَبَ. وَمِنْهَا الْخُشُوعُ وَالتَّوَاضُعُ.

وَمِنْهَا التَّحِيَّةُ، وَقَالَ فِي قَوْله تَعَالَى {وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا} [يوسف: ١٠٠] أَنَّهُمْ سَجَدُوا لِيُوسُفَ إكْرَامًا وَتَحِيَّةً، وَأَنَّهُ كَانَ يُحَيِّي بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِذَلِكَ وَبِالِانْحِنَاءِ فَحَظَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَذَكَرَ كَلَامَهُ الْإِمَامُ الْحَافِظُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ وَلَمْ يُخَالِفْهُ، فَدَلَّ عَلَى مُوَافَقَتِهِ.

وَأَمَّا الْإِمَامُ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي الْهَدْيِ فَجَزَمَ بِتَحْرِيمِ السُّجُودِ وَالِانْحِنَاءِ وَالْقِيَامِ عَلَى الرَّأْسِ وَهُوَ

<<  <  ج: ص:  >  >>