للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِلْأَطْفَالِ.

قَالَ: وَلَكِنَّ الْفَهْمَ عَزِيزٌ.

وَكَأَنَّهُمْ لَمَّا أَحْسَنُوا قَالَ لِسَانُ الْحَالِ: أَعْطُوهُمْ مَا طَلَبُوا فَإِنَّهُمْ يَطْلُبُونَ أُجْرَةَ مَا عَمِلُوا.

ثُمَّ قَالَ: وَلَوْلَا عِزَّةُ الْفَهْمِ مَا تَكَبَّرَ مُتَكَبِّرٌ عَلَى جِنْسِهِ، وَلَكَانَ كُلُّ كَامِلٍ خَائِفًا مُحْتَقِرًا لِعَمَلِهِ حَذِرًا مِنْ التَّقْصِيرِ فِي شُكْرِ مَا أُنْعِمَ عَلَيْهِ.

وَفَهْمُ هَذَا الْمَشْرُوحِ يُنَكِّسُ رَأْسَ الْكِبْرِ وَيُوجِبُ مُسَاكَنَةَ الذُّلِّ.

وَقَالَ فِي مَكَان آخَرَ مِنْ الْكِتَابِ الْمَذْكُورِ: عَجِبْت لِمَنْ يَعْجَبُ بِصُورَتِهِ، وَيَخْتَالُ فِي مِشْيَتِهِ، وَيَنْسَى مَبْدَأَ أَمْرِهِ، إنَّمَا أَوَّلُهُ لُقْمَةٌ ضَمَّتْ إلَيْهَا جَرْعَةَ مَاءٍ، فَإِنْ شِئْت فَقُلْ كِسْرَةَ خُبْزٍ مَعَهَا تَمَرَاتٌ، وَقِطْعَةٌ مِنْ لَحْمٍ، وَمَذْقَةٌ مِنْ لَبَنٍ، وَجَرْعَةٌ مِنْ مَاءٍ، وَنَحْوُ ذَلِكَ، طَبَخَتْهُ الْكَبِدُ، فَأَخْرَجَتْ مِنْهُ قَطَرَاتِ مَنِيٍّ فَاسْتَقَرَّتْ فِي الْأُنْثَيَيْنِ، فَحَرَّكَتْهَا الشَّهْوَةُ، فَبَقِيَتْ فِي بَطْنِ الْأُمِّ مُدَّةً حَتَّى تَكَامَلَتْ صُورَتُهَا، فَخَرَجَتْ طِفْلًا تَتَقَلَّبُ فِي خِرَقِ الْبَوْلِ.

وَأَمَّا آخِرُهُ فَإِنَّهُ يُلْقَى فِي التُّرَابِ فَيَأْكُلُهُ الدُّودُ، وَيَصِيرُ رُفَاتًا تَسْفِيهِ السَّوَافِي.

وَكَمْ يَخْرُجُ تُرَابُ بَدَنِهِ مِنْ مَكَان إلَى مَكَان آخَرَ، وَيُقَلَّبُ فِي أَحْوَالٍ إلَى أَنْ يَعُودَ فَيُجْمَعَ.

وَأَمَّا الرُّوحُ فَإِنْ تَجَوْهَرَتْ بِالْأَدَبِ، وَتَقَوَّمَتْ بِالْعِلْمِ، وَعَرَفَتْ الصَّانِعَ، وَقَامَتْ بِحَقِّهِ، فَلَا يَضُرُّهَا نَقْضُ الْمُرَكَّبِ.

وَإِنْ هِيَ بَقِيَتْ عَلَى طَبْعِهَا مِنْ الْجَهَالَةِ شَابَهَتْ الطِّينَ، بَلْ صَارَتْ إلَى أَخَسِّ حَالَةٍ مِنْهُ.

وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ الْكِتَابِ الْمَذْكُورِ: اعْتَبَرْتُ عَلَى أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ وَالزُّهَّادِ أَنَّهُمْ يُبْطِنُونَ الْكِبْرَ.

فَهَذَا يَنْظُرُ فِي مَوْضِعِهِ وَارْتِفَاعِ غَيْرِهِ عَلَيْهِ، وَهَذَا لَا يَعُودُ مَرِيضًا فَقِيرًا يَرَى نَفْسَهُ خَيْرًا مِنْهُ، حَتَّى رَأَيْتُ جَمَاعَةً يُومَأُ إلَيْهِمْ، مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: لَا أُدْفَنُ إلَّا فِي دِكَّةِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ.

وَيَعْلَمُ أَنَّ فِي ذَلِكَ كَسْرَ عِظَامِ الْمَوْتَى، ثُمَّ يَرَى نَفْسَهُ أَهْلًا لِذَلِكَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: ادْفِنُونِي إلَى جَانِبِ مَسْجِدِي ظَنًّا مِنْهُ أَنَّهُ يَصِيرُ بَعْدَ مَوْتِهِ مَزُورًا كَمَعْرُوفٍ، وَلَا يَعْلَمُونَ قَوْلَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ ظَنَّ أَنَّهُ خَيْرٌ مِنْ غَيْرِهِ فَقَدْ تَكَبَّرَ» وَقَلَّ مَا رَأَيْتُ إلَّا وَهُوَ يَرَى نَفْسَهُ.

وَالْعُجْبُ كُلُّ الْعُجْبِ مِمَّنْ يَرَى نَفْسَهُ.

أَتُرَاهُ بِمَاذَا رَآهَا.

إنْ كَانَ بِالْعِلْمِ فَقَدْ

<<  <  ج: ص:  >  >>