للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَذُو الصَّدَاقَةِ صَارَ الْآنَ يَكْرَهُنِي ... لِجَهْلِهِ بِذَوِي الْأَلْبَابِ وَالرُّتَبِ

وَغَاضَ رِزْقِي وَعَادَانِي الزَّمَانُ وَلَمْ ... يَنْظُرْ لِمَا بِي مِنْ الْعُلْيَا وَلَا حَسَبِي

وَهَذِهِ سُنَّةُ الرَّحْمَنِ فَاصْغِ لَهَا ... فَمَا لِذِي فِطْنَةٍ فِي النَّاسِ مِنْ نَشَبِ

وَشَاهِدِي فِيهِ مَا أَمْلَى الشِّهَابُ عَلَى ... طَيْفٍ أَلَمَّ بِهِ فِي حِنْدِسِ الشُّهُبِ

قَدْ قَالَ جَدِّي عَنْ فَهْمٍ وَتَجْرِبَةٍ ... مَا آفَةُ الْجَدِّ إلَّا حِرْفَةَ الْأَدَبِ

وَاعْلَمْ حَمَاك اللَّهُ مِنْ الزَّنْدَقَةِ، وَطَهَّرَ لِسَانَك مِنْ اللَّقْلَقَةِ، أَنَّ الزَّمَانَ لَا يُعْطِي وَلَا يَمْنَعُ، وَلَا يَخْفِضُ وَلَا يَرْفَعُ، وَلَا يَضُرُّ وَلَا يَنْفَعُ.

وَإِنَّمَا الْفَاعِلُ ذَلِكَ كُلَّهُ رَبُّ الزَّمَانِ، الَّذِي مَا شَاءَ كَانَ، وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ.

وَلَمَّا أَوْغَلَ ابْنُ الرَّاوَنْدِيِّ الزِّنْدِيقُ الْمُتَعَدِّي فِي النَّظَرِ فِي الْعُلُومِ الْفَلْسَفِيَّةِ، وَلَمْ يُنَوِّرْ قَلْبَهُ بِالْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ، قَالَ فِي مَعْرِضِ الِاعْتِرَاضِ عَلَى الْحَضْرَةِ الْإِلَهِيَّةِ:

كَمْ عَاقِلٍ عَاقِلٍ أَعْيَتْ مَذَاهِبُهُ ... وَجَاهِلٍ جَاهِلٍ تَلْقَاهُ مَرْزُوقًا

هَذَا الَّذِي تَرَكَ الْأَوْهَامَ حَائِرَةً ... وَصَيَّرَ الْعَالِمَ النِّحْرِيرَ زِنْدِيقًا

فَعَارَضَهُ أَهْلُ الِاهْتِدَاءِ وَنُجُومُ الِاقْتِدَاءِ فَقَالُوا:

كَمْ مِنْ أَدِيبٍ فَهِمٍ قَلْبُهُ ... مُسْتَكْمِلُ الْعَقْلَ مُقِلٍّ عَدِيمِ

وَمِنْ جَهُولٍ مُكْثِرٍ مَالَهُ ... ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ

وَقَالَ آخَرُ:

كَمْ عَاقِلٍ عَاقِلٍ لَا زَالَ ذَا عُسْرِ ... وَجَاهِلٍ جَاهِلٍ لَا زَالَ فِي يُسْرِ

تَحَيَّرَ النَّاسُ فِي هَذَا فَقُلْت لَهُمْ ... هَذَا الَّذِي أَوْجَبَ الْإِيمَانَ بِالْقَدْرِ

وَقَالَ آخَرُ:

كَمْ مِنْ قَوِيٍّ قَوِيٍّ فِي تَصَرُّفِهِ ... مُهَذَّبُ الرَّأْيِ عَنْهُ الرِّزْقُ يَنْحَرِفُ

وَكَمْ ضَعِيفٍ ضَعِيفٍ فِي تَقَلُّبِهِ ... كَأَنَّهُ مِنْ خَلِيجِ الْبَحْرِ يَغْتَرِفُ

هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْإِلَهَ لَهُ ... فِي الْخَلْقِ سِرٌّ خَفِيٌّ لَيْسَ يَنْكَشِفُ

وَقَالَ الْأَرْجَانِيُّ:

تَنْقِيصُ أَهْلِ الْفَضْلِ دُونَ الْوَرَى ... مَصَائِبُ الدُّنْيَا وَآفَاتُهَا

كَالطَّيْرِ لَا يُحْبَسُ مِنْ بَيْنِهَا ... إلَّا الَّتِي تَطْرَبُ أَصْوَاتُهَا

وَلَهُ أَيْضًا:

<<  <  ج: ص:  >  >>