للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْأَرْضُ عَلَيْهِ كَمَا ضَاقَتْ عَلَى كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ وَصَاحِبَيْهِ. فَيَسْتَوْلِي عَلَيْهِ الْحُزْنُ وَالْبُكَاءُ فَيَشْغَلُهُ عَنْ اللَّهْوِ وَالضَّحِكِ. قَالَ وَمَتَى قَصَّرَ فِي قَضَاءِ دَيْنٍ أَوْ رَدِّ مَظْلِمَةً دَلَّ عَلَى ضَعْفِ التَّوْبَةِ. انْتَهَى.

وَقَالَ فِي نِهَايَةِ الْمُبْتَدِئِينَ: قَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ: التَّوْبَةُ نَدَمُ الْعَبْدِ عَلَى مَا كَانَ مِنْهُ، وَالْعَزْمُ عَلَى تَرْكِ مِثْلِهِ كُلَّمَا ذَكَرَهُ، وَتَكْرَارِ فِعْلِ التَّوْبَةِ كُلَّمَا خَطَرَتْ مَعْصِيَتُهُ بِبَالِهِ، وَمَنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عَادَ مُصِرًّا نَاقِضًا لِلتَّوْبَةِ. وَهَذَا مَعْنَى كَلَامِ ابْنِ عَقِيلٍ السَّابِقِ، لَكِنْ أَبُو الْحُسَيْنِ يَقُولُ يَكُونُ نَاقِضًا لِلتَّوْبَةِ. وَعِنْدَ ابْنِ عَقِيلٍ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ النَّدَمِ فَلَمْ يُوجَدْ عِنْدَهُ تَوْبَةٌ شَرْعِيَّةٌ. قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: وَبُطْلَانُهَا بِالْمُعَاوَدَةِ أَقْرَبُ. قَالَ وَالْأَظْهَرُ مَذْهَبًا وَدَلِيلًا أَنَّهَا لَا تَبْطُلُ بِذَلِكَ.

وَفِي الْفُصُولِ لِابْنِ عَقِيلٍ أَنَّ الْمُظَاهِرَ إذَا عَزَمَ عَلَى الْوَطْءِ رَاجِعٌ عَنْ تَحْرِيمِهَا بِعَزْمِهِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعَزْمَ عَلَى مُعَاوَدَةِ الذَّنْبِ مَعَ التَّصْمِيمِ عَلَى التَّوْبَةِ نَقْضٌ لِلتَّوْبَةِ، فَجَعَلَهُ نَاقِضًا لِلتَّوْبَةِ بِالْعَزْمِ لَا بِغَيْرِهِ، وَهَذَا أَظْهَرُ مِنْ كَلَامِهِ السَّابِقِ وَكَلَامِ أَبِي الْحُسَيْنِ. ثُمَّ إنْ أَرَادَ أَنَّهُ يُؤْخَذُ بِالذَّنْبِ السَّابِقِ الَّذِي تَابَ مِنْهُ فَهُوَ ضَعِيفٌ، وَإِنْ أَرَادَ انْتِقَاضَ التَّوْبَةِ وَقْتَ الْعَزْمِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُسْتَقْبَلِ، وَأَنَّهُ يُؤَاخَذُ مِنْ الْعَزْمِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُسْتَقْبَلِ فَهَذَا يُبْنَى عَلَى الْمُؤَاخَذَةِ بِأَفْعَالِ الْقُلُوبِ.

قَدْ فَصَّلَ الْإِمَامُ الْحَافِظُ ابْنُ رَجَبٍ ذَلِكَ تَفْصِيلًا حَسَنًا. وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْهَمَّ بِالسَّيِّئَاتِ مِنْ غَيْرِ عَمَلٍ لَهَا تَارَةً يَتْرُكُهُ الْهَامُّ بِهِ لِخَوْفِ اللَّهِ تَعَالَى فَيُكْتَبُ حَسَنَةً، لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَاكِيًا عَنْ اللَّهِ «إنَّمَا تَرَكَهَا مِنْ جَرَّائِي» يَعْنِي مِنْ أَجْلِي وَهُوَ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ مَمْدُودًا وَمَقْصُورًا.

وَفِي رِوَايَةٍ فِي الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «وَإِنْ تَرَكَهَا مِنْ أَجْلِي فَاكْتُبُوهَا لَهُ حَسَنَةً» وَأَمَّا إنْ تَرَكَهَا خَوْفًا مِنْ الْمَخْلُوقِينَ أَوْ مُرَاءَاةً لَهُمْ فَقَدْ قِيلَ إنَّهُ يُعَاقَبُ عَلَى تَرْكِهَا بِهَذِهِ النِّيَّةِ؛ لِأَنَّ تَقْدِيمَ خَوْفِ الْمَخْلُوقِينَ عَلَى خَوْفِ اللَّهِ مُحَرَّمٌ.

وَكَذَلِكَ قَصْدُ الرِّيَاءِ مُحَرَّمٌ، فَإِذَا اُقْتُرِنَ بِهِ تَرْكُ الْمَعْصِيَةِ لِأَجْلِهِ عُوقِبَ عَلَى هَذَا التَّرْكِ. وَقَدْ رَوَى أَبُو نُعَيْمٍ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: يَا صَاحِبَ الذَّنْبِ لَا تَأْمَنَنَّ سُوءَ عَاقِبَتِهِ، وَلِمَا يَتْبَعُ الذَّنْبَ أَعْظَمُ مِنْ الذَّنْبِ إذَا

<<  <  ج: ص:  >  >>