وَأَسْلَمْت وَجْهِي لِمَنْ أَسْلَمَتْ ... لَهُ الْمُزْنُ تَحْمِلُ عَذْبًا زُلَالًا
وَمَا أَحْسَنَ قَوْلَ أَبِي الْفِرَاسِ بْنِ حَمْدَانَ:
قَدْ كُنْت عُدَّتِي الَّتِي أَسْطُو بِهَا ... وَيَدِي إذَا اشْتَدَّ الزَّمَانُ وَسَاعِدِي
فَرَمَيْت مِنْك بِضِدِّ مَا أَمَّلْته ... وَالْمَرْءُ يَشْرَقُ بِالزُّلَالِ الْبَارِدِ
وَقَالَ آخَرُ:
وَمَنْ يَكُ ذَا فَمٍ مَرِيضٍ ... يَجِدْ مُرًّا بِهِ الْمَاءَ الزُّلَالَا
وَمَا أَحْسَنَ قَوْلَ وَجِيهِ الدَّوْلَةِ أَبِي الْمُطَاعِ بْنِ حَمْدَانَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -:
قَالَتْ لِطَيْفِ خَيَالٍ زَارَنِي وَمَضَى ... بِاَللَّهِ صِفْهُ وَلَا تُنْقِصْ وَلَا تَزِدْ
فَقُلْت أَبْصَرْته لَوْ مَاتَ مِنْ ظَمَأٍ ... وَقُلْت قِفْ عَنْ وُرُودِ الْمَاءِ لَمْ يَرِدْ
قَالَتْ صَدَقْت الْوَفَا فِي الْحُبِّ عَادَتُهُ ... يَا بَرْدَ ذَاكَ الَّذِي قَالَتْ عَلَى كَبِدِي
فَهَذَا وَأَضْعَافُ أَضْعَافِهِ يَشْهَدُ أَنَّهُ الْمَاءُ، وَقَدْ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْقَامُوسِ كَمَا عَلِمْت، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
فَمَا هَذِهِ الرَّوْضَةُ بِهَذِهِ الْأَزْهَارِ وَالنَّوَارِ وَالْمِيَاهِ الْعَذْبَةِ الزُّلَالِ:
بِأَحْسَنَ مِنْ أَبْيَاتِهَا وَمَسَائِلُ ... أَحَاطَتْ بِهَا يَوْمًا بِغَيْرِ تَرَدُّدٍ
(بِأَحْسَنَ) مَنْظَرًا، وَأَبْهَجَ مَرْأًى، وَأَتَمَّ رَوْنَقًا (مِنْ أَبْيَاتِهَا) أَيْ أَبْيَاتِ هَذِهِ الْمَنْظُومَةِ الَّتِي هِيَ مُشَبَّهَةٌ بِالرَّوْضَةِ الْمَعْلُومَةِ.
(وَ) لَا زَهْرُهَا وَنَوْرُهَا وَمَاؤُهَا الْعَذْبُ الزُّلَالُ وَسَلْسَالُهَا الَّذِي أَرْبَى عَلَى الْجِرْيَالِ بِأَحْسَنَ لَوْنًا وَأَعْذَبَ مَسَاغًا وَأَلَذَّ طَعْمًا وَأَسْهَلَ وُصُولًا وَأَسْلَسَ انْحِدَارًا فِي الْحَلْقِ مِنْ (مَسَائِلَ) جَمْعُ مَسْأَلَةٍ وَهِيَ مَا يُبَرْهَنُ عَنْهُ لِإِفَادَةِ الْعِلْمِ (أَحَاطَتْ) هَذِهِ الْمَنْظُومَةُ (بِهَا) أَيْ بِالْمَسَائِلِ الْمَخْدُومَةِ، وَالْأَحْكَامِ الْمَعْلُومَةِ، وَالْآثَارِ الْمَأْثُورَةِ، وَالْأَخْبَارِ الْمَشْهُورَةِ، وَالْآدَابِ الْمَطْلُوبَةِ، وَالْمَعَانِي الْمَجْلُوبَةِ، وَالْمُخَدَّرَاتِ الْمَخْطُوبَةِ، وَالْخَرَائِدِ الْمَحْبُوبَةِ (يَوْمًا) أَيْ لَمْ تَكُنْ الرَّوْضَةُ بِأَزْهَارِهَا وَنُوَّارِهَا وَمَائِهَا يَوْمًا مِنْ الْأَيَّامِ أَحْسَنَ وَلَا أَبْهَجَ وَلَا أَلْطَفَ مِنْ هَذِهِ الْمَنْظُومَةِ بِمَسَائِلِهَا وَآدَابِهَا وَأَخْبَارِهَا وَأَسْرَارِهَا (بِغَيْرِ تَرَدُّدِ) فِي ذَلِكَ.
بَلْ الْمَنْظُومَةُ وَمَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ مِنْ الْمَعَانِي وَالْأَسْرَارِ، وَالْأَحْكَامِ وَالْآثَارِ، أَتَمُّ حُسْنًا وَأَبْهَجُ مَنْظَرًا مِنْ الرَّوْضَةِ الْمَذْكُورَةِ. عِنْدَ ذَوِي الْأَلْبَابِ الْمَخْبُورَةِ، وَالْعُقُولِ الْمَشْهُورَةِ