رِوَايَةٍ «لَا يَحِلُّ الْكَذِبُ» وَهِيَ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ. وَفِي أُخْرَى لَا يَصْلُحُ الْكَذِبُ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ. فَالْكَذِبُ فِي الْحَرْبِ هُوَ أَنْ يُظْهِرَ مِنْ نَفْسِهِ قُوَّةً.
وَيَتَحَدَّثَ بِمَا يُقَوِّي أَصْحَابَهُ وَيَكِيدُ بِهِ عَدُوَّهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْحَرْبُ خُدْعَةٌ» وَكَانَ إذَا أَرَادَ غَزْوَةً وَرَّى بِغَيْرِهَا. .
وَالْكَذِبُ لِلزَّوْجَةِ هُوَ أَنْ يَعِدَهَا وَيُمَنِّيَهَا وَيُظْهِرَ لَهَا مِنْ الْمَحَبَّةِ أَكْثَرَ مِمَّا فِي نَفْسِهِ لِيَسْتَدِيمَ بِذَلِكَ صُحْبَتَهَا وَيُصْلِحَ بِهِ خُلُقَهَا. قَالَهُ الْبَغَوِيّ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ.
قَالَ الْحَجَّاوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ إبَاحَةُ كَذِبِ الزَّوْجِ لِلزَّوْجَةِ دُونَ كَذِبِهَا لَهُ. قَالَ وَالظَّاهِرُ إبَاحَتُهُ لَهُمَا لِأَنَّهُ إذَا جَازَ لِلْإِصْلَاحِ بَيْنَ اثْنَيْنِ أَجْنَبِيَّيْنِ فَجَوَازُهُ لِلْإِصْلَاحِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ بَعْلِهَا أَفْضَلُ.
وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ رَجُلًا فِي عَهْدِ عُمَرَ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: نَشَدْتُك بِاَللَّهِ هَلْ تُحِبِّينِي؟ فَقَالَتْ أَمَا إذَا نَشَدَتْنِي بِاَللَّهِ فَلَا، فَخَرَجَ الرَّجُلُ حَتَّى أَتَى عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فَأَرْسَلَ إلَيْهَا فَقَالَ أَنْتِ الَّتِي تَقُولِينَ لِزَوْجِك لَا أُحِبُّك، فَقَالَتْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ نَشَدَنِي بِاَللَّهِ أَفَأَكْذِبُهُ؟ قَالَ نَعَمْ فَأَكْذِبِيهِ، لَيْسَ كُلُّ الْبُيُوتِ تُبْنَى عَلَى الْحُبِّ. وَلَكِنَّ النَّاسَ يَتَعَاشَرُونَ بِالْإِسْلَامِ وَالْإِحْسَانِ.
وَالْكَذِبُ بَيْنَ اثْنَيْنِ أَوْ قَبِيلَتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ هُوَ أَنْ يُنْمِيَ عَلَى أَحَدِهِمَا إلَى صَاحِبِهِ خَيْرًا وَيُبَلِّغَهُ جَمِيلًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَمِعَهُ مِنْهُ، يُرِيدُ بِذَلِكَ الْإِصْلَاحَ، أَوْ كَانَ سَمِعَ مِنْهُ كَلَامًا قَبِيحًا فَبَدَّلَهُ بِخَيْرٍ مِنْهُ، إذْ لَوْ وَقَفَ عَلَى ذَلِكَ لَزَادَتْ الْخُصُومَةُ بَيْنَهُمَا وَنَشَأَتْ الْعَدَاوَةُ، وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَيْسَ بِالْكَذَّابِ مَنْ أَصْلَحَ بَيْنَ النَّاسِ فَقَالَ خَيْرًا أَوْ الْبَوَائِنِ خَيْرًا» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ.
(تَنْبِيهٌ) : ظَاهِرُ كَلَامِ إمَامِنَا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَالْأَصْحَابِ جَوَازُ الْكَذِبِ فِي الصُّلْحِ بَيْنَ كَافِرَيْنِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْأَخْبَارِ، وَرِوَايَةُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ بَيْنَ مُسْلِمَيْنِ فِي الْخَبَرِ إرْسَالٌ وَفِيهِ شَهْرٌ مُخْتَلَفٌ فِي تَوْثِيقِهِ. ثُمَّ يُحْتَمَلُ أَنَّ بَعْضَ الرُّوَاةِ رَوَاهُ بِالْمَعْنَى، وَعَلَى كُلٍّ فَظَاهِرُهُ غَيْرُ مُرَادٍ لِأَنَّهُ يَجُوزُ لِلصُّلْحِ بَيْنَ كَافِرٍ وَمُسْلِمٍ لِحَقِّ الْمُسْلِمِ كَالْحُكْمِ بَيْنَهُمَا، ثُمَّ هُوَ مَفْهُومُ اسْمٍ وَفِيهِ خِلَافٌ، ذَكَرَ ذَلِكَ فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى، ثُمَّ حَطَّ كَلَامَهُ بَعْدَ الْإِطَالَةِ عَلَى الْمَنْعِ بَيْنَ كَافِرَيْنِ أَوْ كُفَّارٍ وَجَوَازُهُ بَيْنَ كَافِرٍ وَمُسْلِمٍ.
وَقَالَ عَنْ قَوْلِ ابْنِ حَزْمٍ فِي كِتَابِ الْإِجْمَاعِ: اتَّفَقُوا عَلَى تَحْرِيمِ الْكَذِبِ فِي غَيْرِ الْحَرْبِ، وَغَيْرِ مُدَارَاةِ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ، أَوْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute