يَنْقَسِمُ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ، مِنْهُ مَا هُوَ حَرَامٌ مَحْضٌ، وَهُوَ لِأَكْثَرِ النَّاسِ مِنْ الشَّبَابِ وَمَنْ، غَلَبَتْ عَلَيْهِمْ شَهْوَتُهُمْ، وَمَلَكَهُمْ حُبُّ الدُّنْيَا، وَتَكَدَّرَتْ بَوَاطِنُهُمْ، وَفَسَدَتْ مَقَاصِدُهُمْ فَلَا يُحَرِّكُ السَّمَاعُ مِنْهُمْ إلَّا مَا هُوَ الْغَالِبُ عَلَيْهِمْ وَعَلَى قُلُوبِهِمْ مِنْ الصِّفَاتِ الْمَذْمُومَةِ، لَا سِيَّمَا فِي زَمَانِنَا هَذَا وَتَكَدُّرُ أَحْوَالِنَا وَفَسَادُ أَعْمَالِنَا.
وَقَدْ رُوِيَ مِنْ الْجُنَيْدِ قَدَّسَ اللَّهُ سِرَّهُ أَنَّهُ تَرَكَ السَّمَاعَ فِي آخِرِ عُمْرِهِ، فَقِيلَ لَهُ كُنْت تَسْمَعُ أَفَلَا تَسْمَعُ؟ قَالَ مَعَ مَنْ؟ فَقِيلَ لَهُ أَنْتَ تَسْمَعُ لِنَفْسِك، فَقَالَ مِمَّنْ، فَالسَّمَاعُ لَا يُحْسَنُ إلَّا بِأَهْلِهِ وَمَعَ أَهْلِهِ وَمِنْ أَهْلِهِ، فَإِذَا انْعَدَمَ أَهْلُهُ وَانْدَرَسَ مَحَلُّهُ فَيَجِبُ عَلَى الْعَارِفِ تَرْكُهُ.
وَمِنْهُ مَا هُوَ مُبَاحٌ وَهُوَ لِمَنْ لَا حَظَّ لَهُ مِنْهُ إلَّا التَّلَذُّذَ بِالصَّوْتِ الْحَسَنِ وَاسْتِدْعَاءِ السُّرُورِ وَالْفَرَحِ، أَوْ يَتَذَكَّرُ بِهِ غَائِبًا أَوْ مَيِّتًا فَيُثِيرُ حُزْنُهُ فَيُتَرَوَّحُ بِمَا يَسْمَعُهُ. وَمِنْهُ مَا هُوَ مَنْدُوبٌ وَهُوَ لِمَنْ غَلَبَ عَلَيْهِ حُبُّ اللَّهِ تَعَالَى وَالشَّوْقُ إلَيْهِ، فَلَا يُحَرِّكُ السَّمَاعُ مِنْهُ إلَّا الصِّفَاتِ الْمَحْمُودَةَ كَمَا مَرَّ.
وَحَاصِلُ ذَلِكَ أَنَّ مَنْ سَمِعَ فَظَهَرَتْ عَلَيْهِ صِفَاتُ نَفْسِهِ وَذَكَرَ لَهَا حُظُوظَ دُنْيَاهُ وَاسْتَثَارَ بِسَمَاعِهِ وَسَاوِسَ هَوَاهُ، فَالسَّمَاعُ عَلَيْهِ حَرَامٌ مَحْضٌ. وَمَنْ سَمِعَ فَظَهَرَ لَهُ ذِكْرُ رَبِّهِ، وَخَوْفُهُ مِنْ ذَنْبِهِ، وَتَذَكَّرَ آخِرَتَهُ، فَأَنْتَجَ لَهُ ذَلِكَ الذِّكْرُ شَوْقًا إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَخَوْفًا مِنْهُ وَرَجَاءً لِوَعْدِهِ وَحَذَرًا مِنْ وَعِيدِهِ، فَسَمَاعُهُ ذِكْرٌ مِنْ الْأَذْكَارِ عِنْدَهُمْ. هَذَا حَاصِلُ مَقَالَاتِهِمْ وَإِنْ تَنَوَّعَتْ، وَمَعْنَى إشَارَاتِهِمْ وَإِنْ تَشَعَّبَتْ.
وَهَذَا وَأَمْثَالُهُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ غَيْرُ مَنْظُورٍ إلَيْهِ، وَلَا مُلْتَفَتٌ لَهُ، وَلَا مُعَوَّلٌ عَلَيْهِ. قَالَ الْإِمَامُ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي إغَاثَةِ اللَّهْفَانِ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ الطُّرْطُوشِيُّ وَهَذِهِ الطَّائِفَةُ يَعْنِي الصُّوفِيَّةَ مُخَالِفَةٌ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ، لِأَنَّهُمْ جَعَلُوا الْغِنَاءَ دِينًا وَطَاعَةً، وَرَأَتْ إعْلَانَهُ فِي الْمَسَاجِدِ وَالْجَوَامِعِ وَسَائِرِ الْبِقَاعِ الْمُشَرَّفَةِ وَالْمَشَاهِدِ الْكَرِيمَةِ مِنْ أَشْرَفِ الْبِضَاعَةِ قَالَ وَلَيْسَ فِي الْأُمَّةِ مَنْ رَأَى هَذَا الرَّأْيَ.
وَأَنْشَدَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute