للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِإِعْلَانِ الْغِنَاءِ.

قَالَ وَأَمَّا غِنَاءُ الْقَيْنَاتِ فَذَلِكَ أَشَدُّ مَا فِي الْبَابِ لِكَثْرَةِ الْوَعِيدِ الْوَارِدِ فِيهِ، وَهُوَ مَا وَرَدَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ اسْتَمَعَ إلَى قَيْنَةٍ صُبَّ فِي أُذُنَيْهِ الْآنُكُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» الْآنُكُ بِمَدِّ الْهَمْزَةِ الرَّصَاصُ الْمُذَابُ.

وَقَدْ جَاءَ تَفْسِيرُ لَهْوِ الْحَدِيثِ بِالْغِنَاءِ مَرْفُوعًا إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فَفِي مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَالْحُمَيْدِيِّ وَجَامِعِ التِّرْمِذِيِّ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ وَاللَّفْظُ لِلتِّرْمِذِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا تَبِيعُوا الْقَيْنَاتِ وَلَا تَشْتَرُوهُنَّ وَلَا تُعَلِّمُوهُنَّ فَلَا خَيْرَ فِي تِجَارَتِهِنَّ فَهُنَّ وَثَمَنُهُنَّ حَرَامٌ» فِي مِثْلِ هَذَا نَزَلَتْ الْآيَةُ {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [لقمان: ٦] قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: وَهَذَا الْحَدِيثُ وَإِنْ كَانَ مَدَارُهُ عَلَى عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زَحْرٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْقَاسِمِ فَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ زَحْرٍ ثِقَةٌ وَالْقَاسِمُ ثِقَةٌ وَعَلِيٌّ ضَعِيفٌ، إلَّا أَنَّ الْحَدِيثَ شَوَاهِدُ وَمُتَابَعَاتٌ مَعَ مَا اعْتَضَدَ بِهِ مِنْ تَفْسِيرِ الصَّحَابَةِ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - وَالتَّابِعِينَ فَقَدْ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ غَيْرُهُ هُوَ الْغِنَاءُ يُرَدِّدُهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ يَعْنِي لَهْوَ الْحَدِيثِ وَصَحَّ ابْنُ عُمَرَ أَيْضًا أَنَّهُ الْغِنَاءُ.

قَالَ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ: لِيَعْلَمَ طَالِبُ هَذَا الْعِلْمِ أَنَّ تَفْسِيرَ الصَّحَابِيِّ الَّذِي شَهِدَ الْوَحْيَ وَالتَّنْزِيلَ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ حَدِيثٌ مُسْنَدٌ. وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ كِتَابِهِ: هُوَ عِنْدَنَا فِي حُكْمِ الْمَرْفُوعِ. قَالَ فِي إغَاثَةِ اللَّهْفَانِ: وَهَذَا وَإِنْ كَانَ فِيهِ نَظَرٌ فَلَا رَيْبَ أَنَّهُ أَوْلَى بِالْقَبُولِ مِنْ تَفْسِيرِ مَنْ بَعْدَهُمْ، فَهُمْ أَعْلَمُ الْأُمَّةِ بِمُرَادِ اللَّهِ مِنْ كِتَابِهِ، فَعَلَيْهِمْ نَزَلَ وَهُمْ أَوْلَى مَنْ خُوطِبَ بِهِ مِنْ الْأُمَّةِ، وَقَدْ شَاهَدُوا تَفْسِيرَهُ مِنْ الرَّسُولِ عِلْمًا وَعَمَلًا، وَهُمْ الْعَرَبُ الْفُصَحَاءُ عَلَى الْحَقِيقَةِ فَلَا يُعْدَلُ عَنْ تَفْسِيرِهِمْ مَا وُجِدَ إلَيْهِ سَبِيلٌ.

وَلَا نُعَارِضُ بَيْنَ تَفْسِيرِ لَهْوِ الْحَدِيثِ بِالْغِنَاءِ وَتَفْسِيرِهَا بِأَخْبَارِ الْأَعَاجِمِ وَمُلُوكِهَا وَمُلُوكِ الرُّومِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا كَانَ النَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ يُحَدِّثُ بِهِ أَهْلَ مَكَّةَ يَشْغَلُهُمْ عَنْ الْقُرْآنِ، لِأَنَّ كِلَيْهِمَا لَهْوٌ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْغِنَاءَ أَشَدُّ لَهْوًا مِنْ أَخْبَارِ الْمُلُوكِ وَأَعْظَمُ ضَرَرًا، فَإِنَّهُ رُقْيَةُ الزِّنَا، وَشَرَكُ الشَّيْطَانِ، وَخَمْرَةُ الْعُقُولِ، وَيَصُدُّ عَنْ الْقُرْآنِ أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِهِ مِنْ الْكَلَامِ الْبَاطِلِ لِشِدَّةِ مَيْلِ النُّفُوسِ إلَيْهِ وَرَغْبَتِهَا فِيهِ.

وَقَالَ فِي اسْمِ الزُّورِ وَاللَّغْوِ مُسْتَدِلًّا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا} [الفرقان: ٧٢] قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَنَفِيَّةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>