للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد عَنْ بُرَيْدَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَرْفُوعًا «إنَّ مِنْ الْبَيَانِ سِحْرًا وَإِنَّ مِنْ الْعِلْمِ جَهْلًا، وَإِنَّ مِنْ الشِّعْرِ حِكَمًا، وَإِنَّ مِنْ الْقَوْلِ عِيَالًا» قَالَ الْحَرِيرِيُّ فِي دُرَّةِ الْغَوَّاصِ: مَعْنَاهُ إنَّ مِنْ الْحَدِيثِ مَا يَسْتَثْقِلُ السَّامِعُ أَنْ يُعْرَضَ عَلَيْهِ وَيَسْتَشِقُّ الْإِنْصَاتَ إلَيْهِ.

وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ «إنَّ مِنْ الشِّعْرِ لَحِكْمَةً» وَيُرْوَى لَحُكْمَا كَمَا فِي الْمُسْنَدِ وَسُنَنِ، أَبِي دَاوُد. قَالَ فِي الْمَطَالِعِ: أَيْ مَا يَمْنَعُ الْجَهْلَ وَقِيلَ الْحِكْمَةُ الْإِصَابَةُ فِي الْقَوْلِ مِنْ غَيْرِ نُبُوَّةٍ. وَقِيلَ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ اللَّهُمَّ عَلِّمْهُ الْحِكْمَةَ وَقِيلَ الْحِكْمَةُ الْفِقْهُ فِي الدِّينِ وَالْعِلْمُ بِهِ. وَقِيلَ الْخَشْيَةُ. وَقِيلَ الْفَهْمُ عَنْ اللَّهِ وَهَذَا كُلُّهُ يَصِحُّ فِي تَفْسِيرِ «الْحِكْمَةِ يَمَانِيَّةً» يَعْنِي قَوْلَهُ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْحِكْمَةُ يَمَانِيَّةٌ» وَفِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «عَلِّمْهُ الْحِكْمَةَ» وَلَا سِيَّمَا مَعَ قَوْلِهِ «الْفِقْهُ يَمَانٍ» . وَقَدْ قِيلَ الْحِكْمَةُ النُّبُوَّةُ.

وَقِيلَ هَذَا كُلُّهُ فِي قَوْله تَعَالَى {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ} [البقرة: ٢٦٩] قَالَ ابْنُ قُرْقُولٍ فِي الْمَطَالِعِ: وَقَدْ قِيلَ الْحِكْمَةُ إشَارَةُ الْعَقْلِ، وَالْحَكِيمُ مَنْ قِبَلِهَا وَقَالَ بِهَا وَعَمِلَ وَلَمْ يُخَالِفْهَا فِي شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ دِينِهِ وَدُنْيَاهُ فَهُوَ الْحَكِيمُ وَهُوَ الْحَاكِمُ وَهُوَ الْمُحَكَّمُ، وَأُمُورُهَا كُلُّهَا مُحْكَمَةٌ لِأَنَّهَا صَادِرَةٌ عَنْ إشَارَةِ الْعَقْلِ وَتَدْبِيرِهِ، وَهُوَ الْحَاكِمُ الْمُصِيبُ الَّذِي لَا يُخْطِئُ مَا دَامَ مَحْفُوظًا مِنْ اللَّهِ تَعَالَى لَمْ تَخْلُفْهُ آفَةٌ وَلَا حَلَّ بِهِ نَقْصٌ. انْتَهَى كَلَامُ الْمَطَالِعِ.

وَقَالَ الْمُنَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ مِنْ الشِّعْرِ لَحِكْمَةً» وَعِنْدَ أَبِي دَاوُد حُكْمًا بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْكَافِ، وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ بِاللَّامِ لَحُكْمًا، وَجَوَّزَ فِي حُكْمًا كَسْرَ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحَ الْكَافِ جَمْعُ حِكْمَةٍ. انْتَهَى.

قَالَ فِي النِّهَايَةِ: الْحِكْمَةُ مَعْرِفَةُ الْأَشْيَاءِ بِأَفْضَلِ الْعُلُومِ. قَالَ الْمُنَاوِيُّ: وَإِنَّمَا أَكَّدَ بِإِنَّ وَاللَّامِ رَدًّا عَلَى مَنْ أَطْلَقَ كَرَاهَةَ الشِّعْرِ، فَأَشَارَ إلَى أَنَّ حَسَنَهُ حَسَنٌ وَقَبِيحَهُ قَبِيحٌ، وَكُلُّ كَلَامٍ ذِي وَجْهَيْنِ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمَقَاصِدِ. وَأَمَّا خَبَرُ «الشِّعْرُ مَزَامِيرُ الشَّيْطَانِ» وَخَبَرُ «أَنَّهُ جُعِلَ لَهُ كَالْقُرْآنِ» فَوَاهِيَانِ. انْتَهَى وَعَلَى فَرْضِ ثُبُوتِ ذَلِكَ فَالْمُرَادُ بِهِ الشِّعْرُ الْمُحَرَّمُ فِي الْمُرْدِ أَوْ فِي مُحَرَّمَةٍ مُعَيَّنَةٍ أَوْ فِي هِجَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَنَحْوِ ذَلِكَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>