للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَلَمَّا فَرَغَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ مِنْ قَوْلِهِ قَالَ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ: وَأَبِي إنَّ هَذَا الرَّجُلَ لَمُؤْتًى لَهُ، لَخَطِيبُهُ أَخَطَبُ مِنْ خَطِيبِنَا، وَلَشَاعِرُهُ أَشْعَرُ مِنْ شَاعِرِنَا، وَلَأَصْوَاتُهُمْ أَعْلَى مِنْ أَصْوَاتِنَا فَلَمَّا فَرَغَ الْقَوْمُ أَسْلَمُوا، وَجَوَّزَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَحْسَنَ جَوَائِزَهُمْ» .

فَهَذَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ أَقَرَّ الشِّعْرَ وَأَمَرَ بِهِ. فَهَلْ بَعْدَ هَذَا يَسُوغُ إنْكَارٌ؟ وَقَالَ الْإِمَامُ الْحَافِظُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي (مُثِيرِ الْعَزْمِ السَّاكِنِ إلَى أَشْرَفِ الْأَمَاكِنِ) بَابُ ذِكْرِ الشُّعَرَاءِ بِسُوقِ عُكَاظٍ وَتَنَاشُدُهُمْ الْأَشْعَارَ.

قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: كَانَ النَّابِغَةُ الذُّبْيَانِيُّ تُضْرَبُ لَهُ قُبَّةٌ مِنْ أَدْمٍ بِسُوقِ عُكَاظٍ فَتَأْتِيهِ الشُّعَرَاءُ فَتَعْرِضُ عَلَيْهِ أَشْعَارَهَا فَأَوَّلُ مَنْ أَنْشَدَهُ الْأَعْشَى، ثُمَّ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ، ثُمَّ أَنْشَدَتْهُ الشُّعَرَاءُ، ثُمَّ أَنْشَدَتْهُ الْخَنْسَاءُ أَبْيَاتَهَا الَّتِي تَقُولُ فِيهَا:

وَإِنَّ صَخْرًا لَتَأْتَمُّ الْهُدَاةُ بِهِ ... كَأَنَّهُ عَلَمٌ فِي رَأْسِهِ نَارُ

فَقَالَ وَاَللَّهِ لَوْلَا أَنَّ أَبَا بَصِيرٍ أَنْشَدَنِي آنِفًا لَقُلْت إنَّك أَشْعَرُ أَهْلِ زَمَانِك مِنْ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ، فَقَامَ حَسَّانُ فَقَالَ لَأَنَا وَاَللَّهِ أَشْعَرُ مِنْهَا وَمِنْك وَمِنْ أَبِيك، فَقَالَ لَهُ النَّابِغَةُ حَيْثُ تَقُولُ مَاذَا؟

فَقَالَ حَيْثُ أَقُولُ:

لَنَا الْجَفَنَاتُ الْغُرُّ يَلْمَعْنَ بِالضُّحَى ... وَأَسْيَافُنَا يَقْطُرْنَ مِنْ نَجْدَةِ دَمًا

وَلَدْنَا بَنِي الْعَنْقَاءِ وَابْنَيْ مُحَرِّقٍ ... فَأَكْرِمْ بِنَا خَالًا وَأَكْرِمْ بِنَا ابْنَ مَا

فَقَالَ لَهُ: يَا بُنَيَّ إنَّك قُلْت لَنَا الْجَفَنَاتُ فَقَلَّلْتَ عَدَدَك، وَقُلْت يَلْمَعْنَ بِالضُّحَى وَلَوْ قُلْت فِي الدُّجَى لَكَانَ أَفْخَرَ، لِأَنَّ الضِّيفَانَ يَكْثُرُونَ بِاللَّيْلِ، وَقَلَّلْت عَدَدَ أَسْيَافِك وَقُلْت يَقْطُرْنَ وَلَوْ قُلْت يَجْرِينَ لَكَانَ أَكْثَرَ لِلدَّمِ، وَفَخَرْت بِمَنْ وَلَدْته، وَلَمْ تَفْخَرْ بِمَنْ وَلَدَك، فَانْظُرْ مَزِيدَ اعْتِنَائِهِمْ بِالشِّعْرِ، وَشِدَّةَ التَّنْقِيبِ عَلَيْهِ.

وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَالِمِ بْنِ نَصْرِ بْنِ سَالِمٍ فِي صَدْرِ شَرْحِ قَصِيدَةِ الْإِمَامِ الْعَلَّامَةِ جَمَالِ الدِّينِ أَبِي عُمَرَ وَعُثْمَانَ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الْمَالِكِيِّ الْمَعْرُوفِ بِابْنِ الْحَاجِبِ فِي عِلْمَيْ الْعُرُوضِ وَالْقَوَافِي: وَبَعْدُ، فَالشِّعْرُ دِيوَانُ الْعَرَبِ، وَتُرْجُمَانُ الْأَدَبِ، مُدِحَ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَسَلَّمَ وَأَثَابَ عَلَيْهِ، وَأَدْنَى مَادِحِيهِ، وَأَمَرَ بِمُنَاضَلَةِ مُشْرِكِي قُرَيْشٍ وَمُعَارَضَتِهِمْ وَهَجْوِهِمْ مُقَابَلَةً لِمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>