للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمُنْكَرِ. وَلَوْ لَمْ يَعِظْ النَّاسَ إلَّا مَعْصُومٌ أَوْ مَحْفُوظٌ لَتَعَطَّلَ الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ مَعَ كَوْنِهِ دِعَامَةَ الدِّينِ، وَقَدْ قِيلَ:

إذَا لَمْ يَعِظْ النَّاسَ مَنْ هُوَ مُذْنِبٌ ... فَمَنْ يَعِظُ الْعَاصِينَ بَعْدَ مُحَمَّدٍ

وَرَوَى ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا بِإِسْنَادٍ فِيهِ ضَعْفٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مُرُوا النَّاسَ بِالْمَعْرُوفِ وَإِنْ لَمْ تَعْمَلُوا بِهِ كُلِّهِ وَانْهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ وَإِنْ لَمْ تَتَنَاهَوْا عَنْهُ كُلِّهِ» .

وَقِيلَ لِلْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ: إنَّ فُلَانًا لَا يَعِظُ وَيَقُولُ أَخَافُ أَنْ أَقُولَ مَا لَا أَفْعَلُ. فَقَالَ الْحَسَنُ: وَأَيُّنَا يَفْعَلُ مَا يَقُولُ؟ وَدَّ الشَّيْطَانُ أَنَّهُ قَدْ ظَفِرَ بِهَذَا فَلَمْ يَأْمُرْ أَحَدٌ بِمَعْرُوفٍ وَلَمْ يَنْهَ عَنْ مُنْكَرٍ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ مَعَ الشُّرُوطِ الْمُتَقَدِّمَةِ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ وَلَوْ فَاسِقًا أَوْ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّ أَمْرٍ حَتَّى عَلَى جُلَسَائِهِ وَشُرَكَائِهِ فِي الْمَعْصِيَةِ وَعَلَى نَفْسِهِ فَيُنْكِرُ عَلَيْهَا، لِأَنَّ النَّاسَ مُكَلَّفُونَ بِالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ. وَسَنَذْكُرُ طَرَفًا صَالِحًا مِنْ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. .

وَقَدْ ذَكَرْنَا عَدَمَ اعْتِبَارِ الْعِلْمِ فِي الْآمِرِ وَالنَّاهِي، فَلِذَا قَالَ النَّاظِمُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (وَ) لَوْ كَانَ الْآمِرُ وَالنَّاهِي ذَا (جَهْلٍ) ضِدُّ الْعِلْمِ وَهُوَ انْتِفَاءُ الْعِلْمِ بِالْمَقْصُودِ وَيُسَمَّى الْجَهْلَ الْبَسِيطَ، وَأَمَّا الْجَهْلُ الْمُرَكَّبُ فَهُوَ تَصَوُّرُ الشَّيْءِ عَلَى غَيْرِ هَيْئَتِهِ لِأَنَّهُ جَهْلُ الْمُدْرَكِ بِمَا فِي الْوَاقِعِ مَعَ الْجَهْلِ بِأَنَّهُ جَاهِلٌ بِهِ كَاعْتِقَادِ الْفَلَاسِفَةِ قِدَمَ الْعَالَمِ.

وَلَوْ كَانَ ذَا جَهْلٌ بَسِيطٍ عَذَرْته ... وَلَكِنَّهُ يُدْلِي بِجَهْلٍ مُرَكَّبِ

(وَ) الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ (فِي سِوَى) أَيْ فِي غَيْرِ الْآمِرِ (الَّذِي قِيلَ) عَنْهُ إنَّهُ (فَرْضٌ) أَيْ فَرْضُ عَيْنٍ وَهُوَ مَا إذَا كَانَ عَالِمًا بِالْحَظْرِ وَالْفِعْلِ آمِنًا وَلَمْ يَقُمْ غَيْرُهُ بِهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ (بِ) فَرْضِ (الْكِفَايَةِ) وَهُوَ مَا إذَا قَامَ بِهِ الْبَعْضُ سَقَطَ عَنْ الْبَاقِينَ، فَالْمَقْصُودُ حُصُولُهُ قَصْدًا ذَاتِيًّا، وَقَصْدُ الْفَاعِلِ فِيهِ تَبَعٌ لَا ذَاتِيٌّ، فَفَرْضُ الْكِفَايَةِ وَاجِبٌ عَلَى الْجَمِيعِ كَغُسْلِ الْمَيِّتِ فَإِنَّهُ حَقٌّ عَلَى النَّاسِ كَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَدَفْنِهِ لَا يَسَعُ عَامَّتَهُمْ تَرْكُهُ، وَإِذَا قَامَ بِهِ مَنْ فِيهِ كِفَايَتُهُ أَجْزَأَ عَنْهُمْ، وَإِذَا فَعَلَهُ الْجَمِيعُ مِنْهُمْ كَانَ فَرْضًا فِي حَقِّ الْجَمِيعِ لِعَدَمِ

<<  <  ج: ص:  >  >>