للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَوَعَظَ أَيْضًا فِي السَّنَةِ الْمَذْكُورَةِ وَالْخَلِيفَةُ حَاضِرٌ فَبَالَغَ فِي وَعْظِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ فَمَا حَكَاهُ لَهُ أَنَّ الرَّشِيدَ قَالَ لِشَيْبَانَ عِظْنِي، فَقَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَأَنْ تَصْحَبَ مَنْ يُخَوِّفُك حَتَّى تُدْرِكَ الْأَمْنَ، خَيْرٌ لَك مِنْ أَنْ تَصْحَبَ مَنْ يُؤَمِّنُك حَتَّى تُدْرِكَ الْخَوْفَ، قَالَ فَسِّرْ لِي هَذَا، قَالَ مَنْ يَقُولُ لَك أَنْتَ مَسْئُولٌ عَنْ الرَّعِيَّةِ فَاتَّقِ اللَّهَ أَنْصَحُ لَك مِمَّنْ يَقُولُ لَك أَنْتُمْ أَهْلُ بَيْتٍ مَغْفُورٌ لَكُمْ، وَأَنْتُمْ قَرَابَةُ رَسُولِ اللَّهِ نَبِيِّكُمْ، فَبَكَى الرَّشِيدُ حَتَّى رَحِمَهُ مَنْ حَوْلَهُ. فَقُلْت لَهُ فِي كَلَامِي: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنْ تَكَلَّمْت خِفْت مِنْك، وَإِنْ سَكَتُّ خِفْت عَلَيْك، وَأَنَا أُقَدِّمُ خَوْفِي عَلَيْك عَلَى خَوْفِي مِنْك. انْتَهَى.

وَفِي (مُثِيرُ الْعَزْمِ السَّاكِنِ، إلَى أَشْرَفِ الْأَمَاكِنِ) لِابْنِ الْجَوْزِيِّ، أَنَّهُ لَمَّا حَجَّ هَارُونُ الرَّشِيدُ وَعَظَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْعُمَرِيُّ، قَالَ سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ: كُنْت بِمَكَّةَ فِي زُقَاقِ الشَّطَوِيِّ وَإِلَى جَنْبِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْعُمَرِيُّ وَقَدْ حَجَّ هَارُونُ الرَّشِيدُ، فَقَالَ لَهُ إنْسَانٌ يَا عَبْدَ اللَّهِ هُوَ ذَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ يَسْعَى، قَدْ أُخْلِيَ لَهُ الْمَسْعَى، قَالَ الْعُمَرِيُّ لِلرَّجُلِ لَا جَزَاك اللَّهُ عَنِّي خَيْرًا كَلَّفْتنِي أَمْرًا كُنْت عَنْهُ غَنِيًّا.

ثُمَّ تَعَلَّقَ نَعْلَيْهِ وَقَامَ فَتَبِعْته فَأَقْبَلَ هَارُونُ الرَّشِيدُ مِنْ الْمَرْوَةِ يُرِيدُ الصَّفَا، فَصَاحَ بِهِ يَا هَارُونُ، فَلَمَّا نَظَرَ إلَيْهِ قَالَ لَبَّيْكَ يَا عَمِّ، قَالَ ارْقَ الصَّفَا، فَلَمَّا رَقِيَهُ قَالَ ارْمِ بِطَرَفِك إلَى الْبَيْتِ، قَالَ قَدْ فَعَلْت، قَالَ كَمْ هُمْ؟ قَالَ وَمَنْ يُحْصِيهِمْ؟ قَالَ فَكَمْ فِي النَّاسِ مِثْلُهُمْ؟ قَالَ خَلْقٌ كَثِيرٌ لَا يُحْصِيهِمْ إلَّا اللَّهُ.

قَالَ اعْلَمْ أَيُّهَا الرَّجُلُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يُسْأَلُ عَنْ خَاصَّةِ نَفْسِهِ وَأَنْتَ وَحْدَك مَسْئُولٌ عَنْ الْجَمِيعِ، فَانْظُرْ كَيْفَ تَكُونُ. قَالَ فَبَكَى هَارُونُ وَجَلَسَ، وَجَعَلُوا يُعْطُونَهُ مِنْدِيلًا مِنْدِيلًا لِلدُّمُوعِ.

قَالَ الْعُمَرِيُّ: وَأُخْرَى أَقُولُهَا، قَالَ قُلْ يَا عَمِّ، قَالَ وَاَللَّهِ إنَّ الرَّجُلَ لَيُسْرِعُ فِي مَالِهِ فَيَسْتَحِقُّ الْحَجْرَ عَلَيْهِ، فَكَيْفَ بِمَنْ أَسْرَعَ فِي أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ مَضَى وَهَارُونُ يَبْكِي.

وَذَكَرَ فِي الْكِتَابِ الْمَذْكُورِ أَنَّ هَارُونَ الرَّشِيدَ كَانَ يَقُولُ: وَاَللَّهِ إنِّي لَأُحِبُّ الْحَجَّ كُلَّ سَنَةٍ مَا يَمْنَعُنِي إلَّا رَجُلٌ مِنْ وَلَدِ عُمَرَ ثُمَّ يُسْمِعُنِي مَا أَكْرَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(الرَّابِعُ) : لَا بُدَّ لِوُجُوبِ الْإِنْكَارِ أَنْ يَكُونَ صَاحِبُ الْمَعْصِيَةِ مُجَاهِرًا

<<  <  ج: ص:  >  >>